من الجانب الخفي لأنطون تشيخوف..
عثر بين أوراق أنطون تشيخوف غير المنشورة على سلسلة من القصاصات داخل مغلف يحمل هذه الكلمات: «موضوعات، أفكار، ملاحظات، شذرات»، ثم كشفت زوجته أولغا ليوناردوفنا كنيبر عن مفكرته التي كان يدون فيها مداخل منفصلة تتعلق بأعماله المستقبلية وأحلامه والاقتباسات التي أحبها. أعاد تشيخوف نسخ هذه المتناثرات في دفتر آخر، بعد شطب ما أدرجه ضمن كتبه المطبوعة أثناء حياته، وقد أولاها اهتماما خاصاً ولم يؤرخها عموماً على غرار اليوميات المعهودة. هذا هو الجانب الخفي لدى كاتب كبير لم يكتب قط على مرأى من أحد
لقد حطمت شعور غريغوري ايفانونفيتش وأهنته إهانة بليغة. فقد استفزتني الكلمات المعسولة واستفزني قائلوها، ولدى وصولي إلى البيت تأملت الأمر على النحو التالي: البعض ينددون بالعالم، والبعض الآخر يستهجن الجماهير، وفحوى القول مديح الماضي وإلقاء اللوم على الحاضر، إنهم يزعقون بانعدام القيم وهلمجرا، ولكن هذا كله قد قيل منذ عشرين أو ثلاثين سنة، فهذه صياغات بالية خدمت عصرها، وكل من يرددها الآن رثّ أيضاً وفاقد نضارته. إذ مع ذبول أوراق السنة الفائتة يذوي أيضاً أولئك الذين عاشوا خلالها.
فكرت، نحن المستهلكين، غير المتنورين، أصحاب الكلام العادي، النمطيين في طموحاتنا، قد عفا علينا الزمن، وفي حين أننا نحن المثقفين ننقب وسط الأسمال المهترئة، ونتعاض بحسب الأعراف الروسية القديمة، تضطرم حولنا حياة لا نعرفها ولا نلتفت إليها. ستأخذ أحداث جسيمة بتلابيبنا ونحن غافلون، مثل جنيات نائمات، وسوف ترون أن سيدوروف التاجر ومعلم المدرسة في يليتز اللذين يعرفان ويريان أكثر منا، سيقصياننا إلى المؤخرة لأنهما سينجزان ما لا نقوى على إنجازه كلنا مجتمعين.
وفكرت لو تسنى لنا الآن نيل الحرية السياسية التي نسهب في الحديث عنها، بينما نحن متكالبون على تبادل العض، فلن نعرف ماذا سنفعل بها، سنهدرها في كيل الاتهامات لبعضنا البعض على صفحات الجرائد بإطلاق نعوت المخبرين والجشعين، وسوف نفزع المجتمع بالسفاهة التي تكشف أن لا رجال بيننا ولا علم ولا أدب، ولا أي شيء! أي شيء! وترويع المجتمع على النحو الذي نقوم به، ولن ننقطع عن القيام به، يعني حرمانه من الشجاعة، ويعني ببساطة أن نجاهر بافتقادنا إلى أي حس اجتماعي أو سياسي. وفكرت أيضاً، سينقلب مآلنا إلى شمطاوات وعجائز يتوعدون قبل أن ينبلج فجر حياة جديدة، وفي خضم كراهيتنا لذلك الفجر سنقف في مقدمة من يجهزون عليه.