مسرح عبثي!
وضعت قبعتي الصيفية، وأدنيتها حتى لا تظهر عيناي، فلا أريد أن أرى أحداً، وخرجت من المنزل، خطوات سريعة، الحاجبان يعبران عن الغضب، هذه عادتي، قطعت مسافة لا بأس بها بعيداً عن البيت، وإذ بطفلٍ صغير يركض خلفي ويصرخ
أدرت رأسي بشدة، فوجدت ذراعين صغيرين يحيطان خصري و رأساً يختبئ بين قدمي، «عمو جبهة النصرة بدها تقطعلي راسي»، اتسعت حدقتاي واستراح فكي السفلي، «جبهة النصرة ؟! مالذي أتى بها إلى هنا؟».
نظرت إليه، «هل رأيتهم أم أن أحداً قال لك؟» فأجاب وهو يصرخ « ثلاثة يحملون السيوف، ويغنون بالذبح جيناكم»، إنه ليس قادراً على أن يجيد مثل هذا النوع من المزاح الثقيل، يا للمصيبة!، ماذا سأفعل الآن؟، لن أركض كي لا يشعروا أني خائف أو مذنب، رفعت بنطالي ورميت بعلبة السجائر بعيداً، فقد سمعت أنهم يقومون بجلد المدخنين، أخذت بيد الطفل ووقفنا حامين ظهرنا بالحائط، وصارت تسبح في عقلي مشاهد لا تمت للإنسانية بصلة، رأيتها على التلفاز و تعجز يدي عن كتابتها، وبدأت ألبومات الصور تحترق في ذاكرتي، قلت في نفسي «سأفعل ما بوسعي حتى لا يقتربوا من هذا الصغير، فهم سيقتلونني في جميع الأحوال».
زعق صوت في أذني، جعل شرايين قلبي تتصلب، أطلقه وأخذ وضعية القرفصاء خلفي «مشان الله يا عمو أجوا يدبحوني»، وبحركة بطيئة جداً استدار رأسي «الذي سينتزع عن جسدي بعد لحظات»، وإذ بسيف يداعب حنجرتي، وثلاثة سيوف يناطحون معدتي، شعرت أن دمي يتدفق بسرعة إلى رأسي مع قليل من الارتياح في أسفل قدمي، فجلست على الأرض وانفجرت ضاحكاً، كانت السيوف بلاستيكية يحملها ثلاثة صبيان صغار تكاد أيديهم أن تتجمد من البرد، سألت أحدهم «لماذا تحمل سيفين؟» استنشق جرعة هواء عبر أنفه قاصداً بها أن يرفع السائل المخاطي المتأرجح فوق شفته العليا وأجاب «لأنني قائد الكتيبة»، وسألت طفلاً آخر«ولماذا تريدون ذبحه» فابتسم ليظهر أسنانه المتكسرة وقال: «لأنه عوايني، وسلم أخي للشبيحة مشان يقتلوه».
أتى رجل من آخر الطريق قاطع حديثنا «هيا يا أولاد، سنذهب إلى بيت جدتكم»، أغمد الصغار سيوفهم وركضوا نحو أبيهم، وتركوا خلفهم مسرحية كنت أنا البطل والجمهور فيها، مسرحية كتبها أعداء الإنسانية، وضعت قبعتي وقمت لأكمل طريقي، وأنا أردد كيف تمكن العنف أن يشوه عالم أطفالنا وأرواحهم.