بالزاوية: طقوس الخسارات الصغيرة
أين ضاعت تلك المتع الصغيرة؟ وكيف خسرنا جرعات الأمل القصيرة المدى والمبتورة مثل إجازات ساعية؟ هكذا وبسرعة فقدنا تلك المباهج البسيطة والتي كانت ذات يوم قادرة على إعادة شحن النفس وتجديد الطاقة مرة بعد أخرى، لن يكون في وسع المرء تذكر كل تلك المكاسب و«الامتيازات» التي أمعنّا سابقاً في استهلاكها بغير بحساب، وأسرفنا في تبذيرها كأنها موارد متجددة!
إلى أي حد تقزمت طقوس «الترفيه» والتنفيس اليومية؟ وكيف فقدت لمستها المفرحة على أصحاء الكادحين؟ أ لأن الأشقياء منهم قد زايلهم منذ زمن ذلك التأثير«المبنّج» لمتعة الطقوس اليومية؟
الجميع عاودتهم آلام الأمراض المهنية أو الطبيعية، أوجاع في الظهر والجانبين، صداع مزمن، وربما نفخة وألم في القلب! دوّن أحد الأصدقاء في قائمة طويلة بعض هذه المفقودات العادية من الطقوس -المتع، جعلها في صحيفة ملونة علّقها فوق فراشه، نقرأ بعضها مع الملاحظات المرافقة:
قهوة صباحية مع سيكارة ألمانية فاخرة «استبدلت بلفافات غليظة من نوع: عربي ثقيل جداً»، كأس شاي ودقائق تأمل فاعل مسروقة من وقت العمل «بقيت كما هي، غير أن التأمل أصبح مخموراً ونوعية الشاي (الفرط) سيئة للغاية»، قيلولة صغيرة بعد الغداء «يا إلهي: أنا متخم من النوم السيئ! أيقظوني قبل الثامنة!»، أنشطة متنوعة في المساء، قراءة كتاب، أو تصفح النت، الخ..«لا مشكلة إذا لم تنقطع الكهرباء، بس بكل الأحوال عقلي مو معي!». السهرة الأسبوعية الإلزامية مع الأصدقاء «استبدلت بلقاء نهاري - طقة الظهر- غير دوري وكئيب، نظراً للأوضاع الاقتصادية والأمنية، اللهم إلا إذا كان اللقاء لوداع أحد المسافرين» ...
على هذا المنوال يتابع صديقنا السرد مفهرساً خسائره الصغيرة في صحيفته الملونة، يقول مبتسماً: آلام إدراج الخسائر «الصغيرة» أهون من آلام احتساب الخسائر «الكبيرة» وهذه لها من (يجدولها) من الكبار! يحدّث صديقنا كل يوم لوحة طقوسه-متعه(المتواضعة)، يحك كلمات أو جملاً ليستبدلها بأخرى، ويغني لها: «يا عمي أنا ما تغيرنا، إنتو اللي تغيرنا!».