البوشار والحلم الأمريكي
« تعمل الرأسمالية على الوصول إلى توازن حساس يعمل على إعطاء الناس الحد المطلوب من احتياجاتهم لمنعهم من اللجوء إلى العنف وأخذ أغراض الغير، لذا يمكن القول بأن من يملك هذه البلاد يعرف الحقيقة وراء تسمية كل هذا بـ «الحلم الأميركي»، عليك أن تكون نائماً حتى تصبح قادراً على تصديقه..»
جورج كارلاين (كوميدي أميركي)
ترتكز الاشتراكية نظرياً، على ضمان أكبر قدر من المساواة لأكبر قدر من الناس، «فالعدل أساس الملك»، وتحقيق العدالة للجميع غاية كل ما تفعله، تجادل الرأسمالية بأن هذا الفكر يؤدي إلى الخمول وعدم القدرة على الإبداع، فالإنسان بحاجة للتطور، لذا علينا إبقاء كل إنسان «محتاجاً» لبذل كل طاقته في خدمة الشركات الرأسمالية، كي يحصل على ما يمكن أن يواكب به هذا التطور، فبدت الجولة الأولى من الصراع الفكري والتطبيقي وكأن فشل الاشتراكية الحديثة نسبياً، كان بسبب التعنت في تطبيق الأفكار، وبفضل بحر الاختراعات الحديثة، والتي ارتقت بحياة الإنسان إلى مستويات أخرى، بالفعل بررت الرأسمالية أسسها «الأخلاقية»، واستطاعت رسم صورة مشرقة عن حضارتها.
فهلوسة الشركات الكبرى بالربح جعلتها تطلق العنان لأسخف السلع والاختراعات، فبينما تتقارب الدول الشرقية والغربية فيما بينها بالتنافس على العلوم الحديثة النانوية والحيوية، تبقى الولايات المتحدة رائدة البحث العلمي ب 22000 براءة اختراع سنويا (أكثر من ضعف أي بلد آخر)، إحدى هذه الاختراعات بالطبع هي آلة صنع البوشار بالهواء الحار من دون زيت، هذا الاختراع العظيم يريحنا من وزر ملعقة كاملة من الزيت النباتي، لا مفاجأة هنا، فمن يقنع الناس أن عليهم أن يدفعوا له كي يسمح لهم بالركض وحمل الأشياء الثقيلة في نوادي الرياضة، أو أن يذهبوا إليها بسياراتهم عالقين بالزحام ليركبوا «الدرجات الثابتة»، ومن يقنعهم بدفع نقود أكثر للحصول على طعام «صحي» أقل، يمكنه أن يقنع الناس بأي شيء. يمكنه أن يقنعهم بسهولة أن عليهم دفع راتب ثلاثة أشخاص من العالم الثالث للتخلي عن جهازهم «الأيفون 4» والحصول على «الأيفون 5» الذي يتميز ببضع سنتيمترات زائدة طولاً فحسب، فلولا هذا الاختراع لما أمكننا رؤية وجه وركبتي شارابوفا في لقطة واحدة (نعدكم بالأقدام في إصدارات لاحقة)، وبأن ملابسه لن تكون جميلة إلا إن نقش عليها ماركة إحدى الشركات الكبرى، بينما تبيع الصين فستان زفاف الأميرة كيت بثمانين دولارا «على بسطات الكراجات»، وتبني ناطحة سحاب بأسبوعين دون أن تقول للعالم كيف.
يمر المجتمع الغربي الآن بالمرحلة ما قبل الأخيرة من عمر المجتمعات وهي مرحلة الاستهلاك، استهلاك كل ما صنعه إلى أن يخبو، ونستطيع أن نلحظ هذا الشي دون تحليلات اقتصادية معقدة، فهو ببساطة لا يعمل كمجتمع، معدلات الإنجاب منخفضة، الالتزام منعدم، العلاقات الأسرية منحلة، وكل رموز التطور فقدت احترامها، فالسيارات الثمينة تتكدس أمام البيوت، بينما يأخذ أصحابها النقل العام إلى العمل لأنهم لن يجدو مكانا لركن سياراتهم، وناطحات السحاب تبنى في وسط الصحراء دون حاجة حقيقية لها، والإنتاج أصبح شيئاً ثانوياً أمام السياحة والتجارة، أما الصناعة والزراعة فلا داعي لها بوجود الأسيويين والأفارقة «المتخلفين»، بمرور الأيام يثبت هذا المجتمع الاستهلاكي بأن همه لم يعد تطور الحياة الحقيقي بل تطور أساليب الربح فقط، وان ما أسس على الجشع بدأ بالانهيار الداخلي تحت تأثير الجشع نفسه.