النضال على أنغام الديسكو..!!
حملت الأسابيع الماضية صوراً مختلفة من مظاهر الاستنكار والرفض للحملة العسكرية المرتقبة على سورية على المستوى الشعبي أو الإعلامي. برز في هذا السياق نشاطان اثنان نالا نصيباً وافراً من الاهتمام في الصحف العربية ومواقع التواصل الاجتماعي
أولهما حملة «لا للحرب على سورية» التي أطلقها ناشطون من داخل وخارج البلاد، واتخذوا من «حمامة السلام البيضاء التي تحمل غصن زيتونٍ أخضر» رمزاً لها تحت شعار: «الكونغرس الأمريكي، افعل هذا من أجل السلام: صوّت بلا على العدوان ضد سورية». وثانيهما مقطع مصوّر بعنوان «هزة سوريّة».
اختصر القائمون على الحملة الأولى هدفها المباشر في لقاء مع جريدة السفير اللبنانية بـ«إيصال الصوت السوري الواحد إلى الكونغرس الأمريكي»، فيما تبنت وروّجت الحملة لمقولات من قبيل: «حربنا واحدة ضد الإرهاب» ، «نحن نحارب من ضرب بلادكم في 2011 وحكومتكم تدعمهم»، «نحن نريد السلام لنا ولكم»، «السوريون سيقاتلون حتى الموت ضد أي عدوان أجنبي، وعليه لا ترسلوا جنودكم للموت»، «الحرب ستهدد الأمن القومي الأميركي»، «أموال ضرائبكم يجب أن تذهب لإعمار بلادكم وليس لشن الحروب».
في السياق ذاته «احتفت» جريدة الأخبار اللبنانية بمقطع «هزّة سوريّة»، وفيه يقوم عدد من الشبان والشابات بالرقص على أنغامٍ الديسكو الصاخبة، وهم يرتدون ملابس مضحكة ويسخرون فيها من الحرب والرئيس الأمريكي باراك أوباما. في محاولة مخيّبة لإيصال رسالة استهزاء بالحرب وتمسكٍ بالحياة.
يعكس الاهتمام الإعلامي بحملاتٍ مماثلة درجةً كبيرةً من التبسيط والسطحية في النظر إلى أي نشاط يرفع شعار «رفض الحملة العسكرية على البلاد» باعتباره فعلاً إيجابياً، وطنياً، يستحق الثناء والتهليل، كما لو أنه اعترافٌ بأن الغايات تبرر الوسائل والأدوات. وهنا يحق لأي متابع لتلك الحملات أن يتساءل: هل حقاً يتشابه مفهومنا كسوريين عن السلام أو الإرهاب مع أعضاء الكونغرس الأمريكي؟! وهل يبرر هدف سامٍ كالوقوف في وجه الضربة العسكرية النبرة المستجدية التي تحاول اللعب على وتر الضرائب وأحداث «11 سبتمبر» بغية استمالة الرأي العام الأمريكي؟! والتي تشابه إلى درجة كبيرةٍ العبارات والشعارات التي تصوغها أمريكا ذاتها في حملاتها الإعلامية لإقناعنا بشتى أنواع الهذار!. إلا يمكن تقديم أغنية جادة عصرية تعكس بصورةٍ عميقة الرفض الشعبي للتدخل العسكري دون أن تبدو حفلاً تنكريّاً على أنغام الموسيقا الإلكترونية الصاخبة؟!
بالطبع لا يحق لأحدٍ احتكار أساليب التعبير ووضع قواعد لما «يصح أو لا يصح» في الحملات الإعلامية، وليس المقصود هنا الدعوة للتمسك بالأساليب الخشبية في الدفاع عن الرأي والتطرق للقضايا الوطنية. جلّ ما في الأمر أن السنتين الأخيرتين قدمتا لنا دروساً أكثر من كافية حول أهمية ابتكار الأدوات والوسائل الخاصة بنا إلى جانب الأهداف والشعارات التي تحمل مطالبنا، كما علمتنّا التركيز على الجوهري والأصيل مقابل الزائل والوهمي والمبتذل.