نساء فنلندا الحمر
كتبت كريستين غودسي مقالاً تتحدّث فيه عن المشاركة العسكرية للنساء في الثورة الحمراء التي قامت في فنلندا بعيد استقلالها عام 1918. ففي الاحتفاليّة التي أقيمت في الذكرى المئوية لاستقلال فنلندا عن روسيا، قام الرئيس الفنلندي ساولي نينيستو بتذكير الفنلنديين: «في أيام الاستقلال الأولى لم نكن (معاً)، بل منقسمين بشكل سيء. لا يمكن تجاهل هذا الأمر بكل بساطة. يجب أن نتحلّى بالشجاعة لنكون صادقين بشأن تاريخنا، ذلك أنّ الصدق وحده يؤسس للثقة».
تعريب وإعداد: عروة درويش
وحتّى فترة قريبة، كان جزء من هذا «التجاهل» بخصوص معسكرات الاعتقال والاغتصاب والتعذيب الذي تمّ بحق نساء «الحرس الأحمر». فرغم أنّ معظم نساء الثورة الحمراء كنّ يعملن كمتطوعات في الطبخ والتمريض وبعض الخدمات الأخرى في الوحدات التابعة للثوار الحمر، فقد تمّ في ربيع عام 1918: «تشكيل وحدتي قتال تضمان حوالي ثلاثمائة امرأة، وكانت أصغرهن تبلغ من العمر حوالي خمسة عشر عاماً».
لقد اختبرت فنلندا فترة من الصمت تلا قمع الثورة. فقد شوّه البيض الذين حكموا في العشرينيات والثلاثينيات الحمر وشيطنوهم، وصوروهم على أنّهم بربريون عملاء للبلاشفة الروس. لقد قال الخطاب العام بأنّ البيض حاربوا من أجل الحرية وللحفاظ على استقلال فنلندا، رغم أنّ لينين قد أعلن رسمياً عن استقلال فنلندا منذ عام 1917. ولهذا لم تبدأ القصّة تروى من وجهة نظر الحمر إلّا في الستينيات مع رواية فيناو لينا بعنوان: «الانتفاضة».
الكثير من النساء الفنلنديات اللواتي انضممن «للحرس الأحمر» كنّ عصريات من سكان الريف، آمنّ بأنّ الاشتراكيّة فقط ستقود المرأة إلى التحرر السياسي والاقتصادي. معظمهن كنّ شابات ويحملن أفكار مثالية، وكنّ محبطات من الاستغلال القائم. ورغم أنّ سنّ خمسة عشر عاماً يبدو صغيراً جداً لمن يسمعه، لكنّ عمالة الأطفال كانت شائعة. فبوصفهن عاملات بأجر، كنّ عرضة لمضايقات جنسيّة مستمرّة من أصحاب العمل، ولم يتمتعن إلّا بقليل جدّاً من الحماية من الاستغلال.
ورغم أنّ صحف «الحرس الأبيض» كانت مليئة بالإهانات والأخبار المغرضة بحقّ هؤلاء النساء، وكانت تنعتهن باسم «الذئبات العاهرات»، فإنّ رفاقهم الثوريين من الرجال لم يسهلن دوماً المهمة عليهن. فكما تقول الكاتبة: «حتّى الرفاق الحمر شككوا بالتزامهن السياسي وبقيمة مشاركتهن العسكرية. فمثل ما يحصل في الكثير من الحركات اليساريّة عبر التاريخ، يقبل الرفاق الثوريين من الذكور مشاركة الرفاق النساء كطباخات وكممرضات، لكنّهم يتشنجون عندما تطلب النساء مساواة تامّة في أرض المعركة».
ورغم أنّ البيض جوعوا وأعدموا عشرات الآلاف من الحمر بعد الحرب، فقد كانوا قساة بشكل خاص مع نساء الحرس الأحمر: «قام الجنود البيض باغتصاب وبتر أعضاء هؤلاء النساء قبل إطلاق النار عليهن. تمت تعريتهن وإيقافهن بوضعيات فاحشة». وكشفت مارغو ليوكونن في دراسة عام 2016 أدلّة على أنّ الإعدامات التي قام بها البيض ضدّ النساء والأطفال في معسكر اعتقال هينالا تفوق الأرقام المعلنة عنها من قبل بكثير. ودلّت السجلات التي كشف عنها مؤخراً بأنّ مئات النساء والأطفال تمّ إعدامهن قبل وصولهن إلى المعسكر حتّى، ودفنت جثثهن في الخارج.
ورغم أنّ الأرقام الدقيقة للنساء المقاتلات في الحرس الأحمر لا تزال غير معروفة، فإنّ التقديرات تدلّ على أنّ ألفي مقاتلة نشطة قد شاركت في القتال إلى جانب ما بين تسعين إلى مائة ألف مقاتل. وأغلبهن كنّ زوجات وأمهات وأخوات وبنات للرجال المقاتلين.