عودة لينين
عودة لينين إلى روسيا، لم تقل عناء عن ترحال القيصر في قطاره بين موسكو وشمال غرب روسيا، حيث لم يكن أمام لينين سوى المرور بألمانيا التي تحارب بلاده آن ذاك.
عودة لينين إلى روسيا عبر فرنسا أو إنجلترا، كانت مستحيلة لسببين، أولهما أن بريطانيا وفرنسا، وهما حليفتا روسيا في الحرب العالمية الأولى ضد ألمانيا ومحورها، أعلنتا منع عبور مياهها وأراضيها لأي روسي يعارض استمرار الحرب ضد ألمانيا، وثانيهما خطورة ركوب البحر الذي كانت تعج مياهه بسفن وألغام الدول المتناحرة.
اختيار لينين في نهاية المطاف، وقع على ألمانيا عدوة القيصر، حيث اعتبر أنها البلد الوحيد المعني بعودته إلى روسيا، لأن أهم الشعارات التي تبنّاها، واستطاع بفضلها حشد الرأي العام الروسي حوله، نادت بانسحاب روسيا الفوري من الحرب العالمية الأولى.
اللافت في رحلة عربة لينين التي كانت ترافقه فيها زوجته ناديجدا كروبسكايا، ورفيقه الثوري غريغوري زينوفيف، أنها خضعت لجملة من الشروط الصارمة، أهمها أن أبوابها كانت مدموغة، بما يمنع خروج من في داخلها عند توقفها في المحطات، على أن توكل مهام التزود بالماء والمؤن لفريق من الحرس رافق لينين وصاحبيه.
وبين الشروط كذلك، أنه منع على لينين ومن معه منعا باتا التحدث إلى الحراس الألمان، تفاديا لاتهام لينين وكروبسكايا وزينوفيف بالعمالة لبرلين في روسيا.
أنصار لينين، نظموا له استقبالا حاشدا على الحدود الإدارية بين فنلندا وروسيا، وأمنوا حضور شقيقته ماريا إلى مراسم الاستقبال، وهتف حشد من العمال والفلاحين بحياته، وحملوه على الأكتاف احتفاء بقدومه بعد انتظار.
المرحّبون بلينين، دخلوا به إلى قاعة محطة القطار هناك، ليلقي أول كلمة في العمال دون أن يخشى اعتقال شرطة القيصر كما سبق لها وفعلت، بل كان يخشى الإعدام هذه المرة.
من فنلندا، وصل لينين إلى عاصمة روسيا بيتروغراد، وهي بطرسبورغ اليوم، حيث كان في استقباله في محطة القطارات القادمة من فنلندا أنصاره من المواطنين والعسكر والبحارة التابعين لأسطول البلطيق، في مراسم نظمها ألكسندر شليابنيكوف وزير العمل في جمهورية روسيا الفدرالية الاشتراكية السوفيتية المقبلة.
الساحة المحاذية للمحطة، والتي لا تزال تحمل اسم لينين حتى اليوم، عجّت بالمستقبلين، الذين ضاقت بهم الساحة والشوارع المتفرعة عنها، فيما كانت قلعة بتروبافلوسك المجاورة تنير الساحة بأضواء الكشافات، في تعبير إضافي عن تضامن الجيش مع لينين.
وفي اليوم التالي، احتشد عشرات النواب عن الجيش والمنظمات الأهلية والعامّة في مبنى دار الحكومة لبحث سبل اتحاد النواب المستقلين وممثلي البلاشفة والمناشفة، والإعلان عن قيام سلطة جديدة موحدة في البلاد، تحل محل الحكومة المؤقتة التي أخفقت في إدارة البلاد طيلة فترة حكمها التي استمرت من مارس حتى نوفمبر 1917.