أية تربية نريد؟
عرفت مناهجنا الدراسية مواد كثيرة يدخل في أسمائها مصطلح «التربية»، فهناك مثلاً التربية الفنية التي قلما كانت على قدر السوية المطلوبة ولم تنجح بصقل المواهب الموجودة بين الطلبة, ولا ارتقت بمستوى الثقافة الفنية وحس التذوق الفني لديهم.
والتربية الموسيقية هي كحال سابقتها وكثيراً ما تحولت حصصها إلى مواد دراسية أخرى تحت حجج غير مقنعة، وعلى هذا القياس التربية البدنية التي لم تؤد أيضاً دورها المطلوب في تأمين اللياقة والصحة المطلوبة لدى الطلبة وتنمية مهاراتهم الرياضية.
يسجل المتابع لواقع التعاطي مع هذه المواد ملاحظات عديدة على مستوى مناهجها، فهي تعاني من قصور واضح، إضافة إلى التفاوت في مستوى مدرسيها, إضافة إلى غياب الاهتمام والجدية في التعاطي مع هذه المواد على مستوى وزارة التربية ككل، في الوقت الذي تؤكد فيه التجربة عالمياً الأهمية الخاصة لها، وتأثيراتها الإيجابية على تحسين مستوى العملية التربوية والتعليمية.
وعرفت مناهجنا أيضاً مادة أخرى هامة، قدمت في إطار عملية (التوجيه والتربية) هي مادة التربية القومية الاشتراكية, والتي كان وجودها ولا يزال متعلقاً بمفهوم المادة الثامنة في الدستور السابق, ومحتوى هذه المادة اليوم منفصل وبعيد عن واقع البلاد الاقتصادي والاجتماعي والسياسي.
يأتي السؤال اليوم ملحاً ليطرح نفسه: ما الذي بقي من مفهوم «التربية» ودورها في مجمل العملية التدريسية؟ وهل هناك أصلاً رؤية للعملية التربوية على مستوى الدولة أو المجتمع؟
إن الوظيفة التربوية في مجملها هي نتيجة وانعكاس لمستوى تطور البلاد, لكنها تكتسي أهمية بالغة, خاصة لجهة دورها في معالجة نتائج الأزمات الوطنية الكبرى. الأمر الذي يؤكد أهمية نقاشها اليوم، انطلاقاً من هذا الاعتبار، وبما يتجاوز مفهومها التقليدي السابق, بحيث توضع في مكانها ضمن الأولويات الأخرى من جوانب معالجة الأزمة.
