«دومينو» التطرف
لعب ويلعب قانون «الفعل ورد الفعل» دوراً رئيسياً في استفحال ظاهرة التطرف عالمياً، حيث يتحول أي حدث ذات نزعة متطرفة إلى مادة دعائية إعلامية، ليفعل فعل «الدومينو»، في الانتقال من رقعة جغرافية إلى أخرى، ومن هدف إلى آخر.
كما في السياسة، وكما في الاقتصاد، يظهر الاستعلاء الرسمي الغربي أيضاً في التعاطي مع ثقافات شعوب العالم، حيث يرى المتابع أن المؤسسات الغربية بادرت وتبادر إلى استدراج التطرف الآخر واستيلاده ليتجلى في بعده الروحي ذي التأثير المركب، بعد أن همّشت بلدان الأطراف اقتصادياً، وحاولت مصادرة قرارها السياسي، ناهيك عن دور شكل التطور الاقتصادي والاجتماعي والسياسي في هذه البلدان وما تمخض عنه من بؤس وفقر وحرمان وكبت.
الجديد في هذا السياق: فرع «منظمة القلم» الامريكي قررت مؤخراً تكريم مجلة «شارلي ايبيدو» الفرنسية بجائزة «شجاعة حرية التعبير» في الحفل المقرر عقده بنيويورك في الثامن من شهر حزيران المقبل، معيدة إلى الاذهان ثنائية التطرف «ثقافياً»، بين من يسيء إلى رمز ديني، وبين من يهاجم مبنى صحيفة بزعم الدفاع عن ذلك الرمز، لتكون مادة إعلامية دعائية تساهم من جديد في إبراز ما هو ثانوي من التناقضات، في تصوير الصراع على أنه مجرد صراع بين ما يسمى «ثقافة الحداثة» و «التخلف»، أو مجرد صراع حضارات وأديان.
تعددت ردود الافعال على قرار الفرع الامريكي لمنظمة «القلم الدولية» ضمن النخبة الثقافية الغربية نفسها، حيث أعلن صاحب رواية «المريض الإنكليزي» الروائي الكندي مايكل أونداتجي، إلى جانب خمسة كتاب عالميين، هم تيجي كول وبيتر كيري وريتشل كوشنر وتايي سيلاسي وفرانسين بروز، انسحابهم من حفل توزيع جوائز المنظمة، احتجاجاً على قرار المنظمة تكريم مجلة «شارلي إيبيدو».
الرسوم المنشورة في مجلة شارلي ايبيدو، واعادة التذكير بها من خلال هذه الجائزة، ورد الفعل عليها-الإساءة إلى المقدس، والزعم بالدفاع عنه بهذه الطريقة، كلها ممارسات ضمن الدائرة الواحدة، دائرة إعادة إنتاج التطرف في إطار عملية تخادم بين الإثنين، حيث الأول يقدم الأعذار للثاني، والثاني يبرر سلوك الاول.
و لكن، كما أن ثقافة الشرق ليست ثقافة قوى التطرف الديني فقط، فإن الثقافة الغربية ليست ملكية حصرية بيد خدم الرأسمال، وأذرعه في الحقل الثقافي تحت أي مسمى كانت .