رسالةُ مَنْفِيٍّ
أتذكرُ كيف بنى لنا " تونْغْ " ، مأوىً نشربُ فيه، في " لُو- يانْغْ " إلى الجنوبِ من جسرِ " تْيَنْ شِيْنْغْ " ؟
اليشَبُ الأبيضُ والذهبُ يأتيانِ بالأغاني والضحكاتِ.
نحن شرِبْنا ، ناسين البلاطَ والأمراءَ .
أولئك الذين بيننا ، هم ذوو الحكمةِ والشجاعةِ
في كل هذا الطرَفِ من الأنهارِ والمحيطاتِ ،
القلوبُ عامرةٌ ، كالغيوم ، وأنا وأنت ، معاً
لا نعبأُ باجتيازِ البحيراتِ والجبالِ ...
كلُّ همِّنا أن نتبادلَ أفكارَنا وأحاسيسَنا .
ثم مضَيتُ انا ، إلى الجنوبِ الشرقيّ ، كي أقطعَ الغارَ
وأنتَ مضَيتَ شمالَ " نهر لُو " ، مدوَّخاً بأحلامِكَ .
لا فرحةَ في الفراقِ .
وسَرعانَ ما عُدْنا إلى الجبالِ ،
عبرَ الإستداراتِ الستِّ والثلاثين للوادي ،
عندَ جداولَ متألِّقةٍ بآلافِ الأزهارِ
عندَ مياهٍ لا نهايةَ لها ،
ونحن نسمعُ أشجارَ الصنوبرِ تتنهّدُ .
حتى التقَينا حاكمَ " هانْغْ - تونْغْ "
وهو على سرْجٍ من ذهبٍ وفضّةٍ . ،
أمّا " هُوْ" ، التاويُّ الحقُّ ، فقد سلبَنا بعزفهِ
موسيقى غير أرضيّةٍ ، على البُرجِ العالي ،
أصواتٌ غريبةٌ من طائرَيْ فينيقٍ يتحابّانِ .
أردانُ الحاكمِ تضْبِطُ إيقاعَ الموسيقى ،
حتى لقد وقفَ ، سكرانَ ، ورقصَ قليلاً
وجاءَ بمعطفِهِ المطرّزِ ، ليغطّيني .
ولقد نمتُ ، ورأسي في حِضْنِهِ .
نهاراً ، بلغتْ أفئدتُنا السماواتِ التسعَ ،
ومساءً ، تفرَّقْنا ، مثل نجومٍ تأفُلُ ، أو كالمطر ،
أنا إلى الجبلِ البعيدِ ، عبرَ التلالِ والأمواهِ ،
وأنتَ إلى بيتِكَ عند جسرِ " وِيْ " .
ذاكَ الشتاءَ ، أقصدُ " المدينةَ الشماليّةَ " لأبيكَ ،
لقد أحببْتُكَ لأنكَ شرَّفتَني هكذا ،
وشاركتَني ثروتَكَ ، بلا تردُّدٍ .
الخمرُ هناك ، في أقداحِ عنبرٍ ،
الطعامُ هناكَ ، في أطباقٍ من يَشَبٍ .
طَعِمْتُ وشرِبْتُ ، غيرَ مفكِّرٍ بالإيابِ .
مضَينا غرباً . النهرُ يتفرّعُ هناك
حول المعبدِ العتيقِ لأميرِ شُوْ .
الزوارقُ على الماءِ مع طبولٍ وأبواقٍ .
أسَلٌ في خضرةِ اليشَبِ ، أمواجٌ من صَدفِ التنّينِ .
شرِبْنا وشربنا ، عشْنا اللحظاتِ العابرةَ ،
ناسِينَ كيف تمضي مثلَ أكمامِ الزهرِ ، أو نثيرِ الثلجِ .
الفتَياتُ ، متورِّداتٍ بالخمرِ
دافئاتٍ في ألَقِ الغروبِ
والبحيرةُ العميقةُ مائةَ قَدمٍ تعكسُ الوجوهَ المتألِّقةَ ،
كانت الفتياتُ الراقصاتُ ، رشيقاتٍ ، كالصفصافِ في ضوءِ القمرِ.
الأنغامُ تضيعُ في رفرفةِ الأردانِ الحريرِ .
نسمةٌ بيضاءُ ذهبَتْ بأغنيتِهُنَّ إلى السماءِ
متموِّجةً في الهواءِ
متمايلةً مع دروبِ السحابِ .
أبداً
أبداً
ليس من فرَحٍ كهذا .
مضَيت ، مُغَرِّباً ، بلا جدوى ...
وبعد أن اشتعلَ رأسي شَيباً ، عُدتُ إلى التلالِ الشرقيّة ،
والتقَينا
ثانيةً
جنوبَ " جسرِ وِيْ " .
وافترقْنا ، ثانيةً ، شمال شُرفةِ "تْسـوْ " .
إنْ سألتَني عن مشاعري آنَ الفراق
فقد كانت ، في داخلي ، مثل أزهارِ ربيعٍ تتساقَطُ .
لا سبيلَ إلى القلبِ ، أبداً .
أستدعي الصبيَّ
أسألُهُ أن ينحني هنا ،
أن يعقدَ هذه ، صُرّةً ،
لأرسلَها عبرَ آلافِ الأميالِ .
*الشاعر لِي بُو
--------
* القصيدة من ديوان لي بو ( جِرارٌ من ذهب )