رسالةُ مَنْفِيٍّ
ترجمة سعدي يوسف ترجمة سعدي يوسف

رسالةُ مَنْفِيٍّ

أتذكرُ كيف بنى لنا " تونْغْ " ، مأوىً نشربُ فيه، في " لُو- يانْغْ " إلى الجنوبِ من جسرِ " تْيَنْ شِيْنْغْ " ؟

اليشَبُ الأبيضُ والذهبُ يأتيانِ بالأغاني والضحكاتِ.

نحن شرِبْنا ، ناسين البلاطَ والأمراءَ .

أولئك الذين بيننا ، هم ذوو الحكمةِ والشجاعةِ

في كل هذا الطرَفِ من الأنهارِ والمحيطاتِ ،

القلوبُ عامرةٌ ، كالغيوم ، وأنا وأنت ، معاً

لا نعبأُ باجتيازِ البحيراتِ والجبالِ ...

كلُّ همِّنا أن نتبادلَ أفكارَنا وأحاسيسَنا .

 

ثم مضَيتُ انا ، إلى الجنوبِ الشرقيّ ،  كي أقطعَ الغارَ

وأنتَ مضَيتَ شمالَ " نهر لُو " ، مدوَّخاً بأحلامِكَ .

لا فرحةَ في الفراقِ .

وسَرعانَ ما عُدْنا إلى الجبالِ ،

عبرَ الإستداراتِ الستِّ والثلاثين للوادي ،

عندَ جداولَ متألِّقةٍ بآلافِ الأزهارِ

عندَ مياهٍ لا نهايةَ لها ،

ونحن نسمعُ أشجارَ الصنوبرِ تتنهّدُ .

حتى التقَينا حاكمَ " هانْغْ - تونْغْ "

وهو على سرْجٍ من ذهبٍ وفضّةٍ . ،

أمّا " هُوْ"  ، التاويُّ الحقُّ ، فقد سلبَنا  بعزفهِ

موسيقى غير أرضيّةٍ ، على البُرجِ العالي ،

أصواتٌ غريبةٌ من طائرَيْ فينيقٍ يتحابّانِ .

 أردانُ الحاكمِ تضْبِطُ  إيقاعَ الموسيقى ،

حتى لقد وقفَ ، سكرانَ ،  ورقصَ قليلاً

وجاءَ بمعطفِهِ المطرّزِ ، ليغطّيني .

ولقد نمتُ ، ورأسي في حِضْنِهِ .

نهاراً ، بلغتْ أفئدتُنا السماواتِ التسعَ ،

ومساءً ، تفرَّقْنا ، مثل نجومٍ تأفُلُ ، أو كالمطر ،

أنا إلى الجبلِ البعيدِ ، عبرَ التلالِ والأمواهِ ،

وأنتَ إلى بيتِكَ عند جسرِ " وِيْ " .

 

ذاكَ الشتاءَ ، أقصدُ " المدينةَ الشماليّةَ " لأبيكَ ،

لقد أحببْتُكَ لأنكَ شرَّفتَني هكذا ،

وشاركتَني ثروتَكَ ، بلا تردُّدٍ .

الخمرُ هناك ، في أقداحِ عنبرٍ ،

الطعامُ هناكَ ، في أطباقٍ من يَشَبٍ .

طَعِمْتُ وشرِبْتُ ، غيرَ مفكِّرٍ بالإيابِ .

مضَينا غرباً . النهرُ يتفرّعُ هناك

حول المعبدِ العتيقِ لأميرِ شُوْ .

الزوارقُ على الماءِ مع طبولٍ وأبواقٍ .

أسَلٌ في خضرةِ اليشَبِ ، أمواجٌ من صَدفِ التنّينِ .

شرِبْنا وشربنا ، عشْنا اللحظاتِ العابرةَ ،

ناسِينَ كيف تمضي مثلَ أكمامِ الزهرِ ، أو نثيرِ الثلجِ .

الفتَياتُ ، متورِّداتٍ بالخمرِ

دافئاتٍ في ألَقِ الغروبِ

والبحيرةُ العميقةُ مائةَ قَدمٍ تعكسُ الوجوهَ المتألِّقةَ ،

كانت الفتياتُ الراقصاتُ ، رشيقاتٍ ، كالصفصافِ في ضوءِ القمرِ.

الأنغامُ تضيعُ في رفرفةِ الأردانِ الحريرِ .

نسمةٌ بيضاءُ ذهبَتْ بأغنيتِهُنَّ إلى السماءِ 

متموِّجةً في الهواءِ

متمايلةً مع دروبِ السحابِ .

أبداً

أبداً

ليس من فرَحٍ كهذا .

 

مضَيت ، مُغَرِّباً ، بلا جدوى ...

وبعد أن اشتعلَ رأسي شَيباً ، عُدتُ إلى التلالِ الشرقيّة ،

والتقَينا

ثانيةً

جنوبَ " جسرِ وِيْ " .

وافترقْنا ، ثانيةً ، شمال شُرفةِ "تْسـوْ " .

إنْ سألتَني عن مشاعري آنَ الفراق

فقد كانت ، في داخلي ، مثل أزهارِ ربيعٍ تتساقَطُ .

لا سبيلَ إلى القلبِ ، أبداً .

أستدعي الصبيَّ

أسألُهُ أن ينحني هنا ،

أن يعقدَ هذه ، صُرّةً ،

لأرسلَها عبرَ آلافِ الأميالِ .

 

*الشاعر لِي بُو

--------

* القصيدة من ديوان لي بو ( جِرارٌ من ذهب )