«جوني ديب ينقذ صورة الهندي الأحمر
نديم جرجورة نديم جرجورة

«جوني ديب ينقذ صورة الهندي الأحمر

عناوين الأعمال السينمائية الجديدة له، في الأعوام القليلة الفائتة، تؤكّد مكانته الفنية في المشهدين الهوليوودي والدولي. سيرته انعكاس لتلك الرغبة العميقة في تثبيت موقع، بدا أنه يستحقّه بجدارة.

تعليق صحافي ذكر، ذات مرّة، أن الممثل الأميركي جوني ديب (مواليد «كنتاكي»، 9 حزيران 1963) «مستمرٌّ في الانتقال من نجاح فني إلى آخر». الفنان، المتمكّن من تنقّله بين أنواع درامية مختلفة، مستمرٌّ في إحداث صدمات ثقافية، ليست كلّها من ذاك النمط المتفجّر، الذي يُحدث هزّات قوية في هوليوود، بقدر ما تقول شيئاً من وعي معرفيّ، وحسّ إنسانيّ، يحتاج إليه الفنان دائماً في اشتغالاته في عاصمة الفن السابع.
آخر تعابيره، كامنٌ في قوله إن «الحارس الوحيد» (2013) لغور فيربينسكي منحه الفرصة المنتظرة لإعلان موقفٍ تردّد سابقاً، وبكثرة، في الثقافة والفنون الأميركية: الرجل الأبيض شوّه التاريخ الخاصّ بالهنود الحمر، وزوّر حقائق يومياتهم، وقدّمهم بصُوَر مغلوطة. قد لا يكون هذا سبباً وحيداً لموافقته على التمثيل في هذا الفيلم. لكن جوني ديب يعي تماماً أن هناك حاجة ماسّة إلى إعادة التذكير بـ«مسلّمات» لا تزال ملتبسة المعاني في صناعة الصورة السينمائية الأميركية، كما في مؤلّفات متنوّعة. سببٌ آخر حرّضه على الانخراط في المشروع: جذوره الهنديّة. «الحارس الوحيد» أفضى إلى اكتشاف هذه الحقيقة. فالفيلم، المرتكز على شخصية راعي بقر يواجه الظلم والطغيان والجريمة برفقة صديقيه سيلفر والهنديّ تونتو، مقتبس عن قصّة وضعها فران سترايكر في العام 1933 خصيصاً بالإذاعة، قبل أن تنتقل إلى الشاشة الصغيرة بين العامين 1949 و1957. السلسلة هذه تحوّلت سريعاً إلى «أيقونة» الثقافة الشعبية الأميركية. هنا، استعاد ديب ذكريات متعلّقة بمشاهدته السلسلة التلفزيونية، فقال إنها كانت «موعداً مهماً لأولاد كثيرين في تلك الحقبة. كنتُ أحاول أن أتشبّه به (تونتو). يومها، علمتُ أن لي جذوراً هندية في العائلة. ربما القليل. من يعلم. والدة جدتي ماو سلوان كانت تملك ملامح هندية إلى حدّ ما، مع جدائلها والتفاصيل كلّها. كانت امرأة رائعة وجميلة للغاية. توفيت عن مئة وعامين. كانت لا تزال تمضغ التبغ حتى آخر يوم في حياتها». أضاف أنها هي من حدّثه عن تلك الجذور: «انطلاقاً من هذا، حاولتُ أن أعرف أكثر عن هنود أميركا، وعن أجدادي. حين كنتُ أشاهد أفلاماً كثيرة يظهر فيها الهنود متوحشّين، كنتُ أنزعج كثيراً وبشدّة. كانوا دائما في صورة الأشرار عبر التاريخ. حين كنتُ في الخامسة أو السادسة من عمري، كنتُ ألعب مع أصحابي لعبة راعي البقر والهنديّ. كنتُ أختار دائماً دور الهندي. ها أنا ذا، بعد هذه الأعوام كلّها، أمثل دور تونتو بالذات. أجد الأمر مذهلاً. في مقابل كل ما عاناه هذا الشعب منذ أن وطأت قدما كريستوف كولومبوس هذه القارة، أجد نفسي متحمّساً لتأدية دور الهنديّ، ولأظهر كم كانت الأمور قاسية عليهم، وكم كان البيض يبدون غريبين عليهم بتقاليدهم التي تصل إلى درجة هزلية. «الحارس الوحيد» أعطاني هذه الفرصة لأقول كم كانت مغلوطة الصورة التي رسمها السينمائيون عن الهنود منذ أعوام مديدة».
التجاريّ في بعض أعماله لا ينفي عنه صفة الممثل الدؤوب، الساعي دائماً إلى تطوير لغة أدائه. في الشقّ التجاريّ، مثّل ديب في الأجزاء الأربعة من السلسلة السينمائية «قراصنة الكاريبي»، التي أخرج فيربينسكي أجزاءها الثلاثة الأولى (بلغت إيراداتها الدولية نحو مليارين و700 مليون دولار أميركي)، هو الذي تعاون سابقاً مع كبار، كأوليفر ستون وجيم جارموش ووس كرافن وأمير كوستوريتزا، وخصوصاً مع تيم بورتون الذي تعاون معه في ثمانية أفلام، آخرها «ظلال داكنة» (2012). أما «الحارس الوحيد»، فيبقى لحظة مفصلية، يُتوقّع أن تزيد من حيويته التمثيلية، وبراعته الأدائية.

السفير