هدية العطلة من الشركات للعمال... التسريح!

هدية العطلة من الشركات للعمال... التسريح!

أظهر التقرير الشهري الصادر عن شركة الموارد البشرية «ADP» أنّ أصحاب العمل في القطاع الخاص في أمريكا خفّضوا 32,000 وظيفة خلال شهر تشرين الثاني، في أحدث إشارة إلى «مجزرة» وظائف متسارعة.

توم هول

في الوقت نفسه، هناك زيادة هائلة في عمليات الطرد خلال موسم الأعياد، وهو أمر كانت الشركات تتجنّبه سابقاً بسبب السمعة السيئة التي يخلّفها. كما أنّ أكثر من 3 من كل 10 شركات أمريكية تخطّط لتنفيذ عمليات
تسريح قبل نهاية العام، وفقاً لمسح شمل 1,000 من قادة الأعمال أجرته «Resume.org». نحو 69 في المئة يستخدمون الذكاء الاصطناعي للمساعدة في تحديد من سيتم طرده، و42 في المئة لن يمنحوا تعويضات نهاية الخدمة لجميع الموظفين. في المقابل، نحو 82 في المئة من الشركات تقول إنّ التنفيذيين سيحصلون على مكافآت هذا العام.
كان الانخفاض في أرقام ADP غير متوقَّع بين المحللين، الذين توقّعوا زيادة طفيفة. وجاء الهبوط نتيجة تراجع حاد في التوظيف لدى الشركات الصغيرة، إذ قامت الشركات التي تضم 50 عاملاً أو أقل بخفض 120,000 وظيفة. الزيادات الطفيفة في التوظيف لدى الشركات الكبرى لم تعوّض سوى جزء بسيط من هذه الخسائر.
ومن المهم الإشارة إلى أنّ التقرير لا يشمل العاملين في القطاع العام، الذين تمّ طرد مئات الآلاف منهم في ظل إدارة ترامب، التي تعمل على تقليص البرامج الاجتماعية والوكالات الرقابية وكل ما يقيّد تحقيق الأغنياء للأرباح. ولو تم احتساب «التخفيضات القسرية» التي جرت خلال إغلاق الحكومة في تشرين الأول وتشرين الثاني، لكانت الأرقام أسوأ بكثير بالنسبة للعمال. ترفض إدارة ترامب نشر بيانات البطالة لشهر تشرين الأول، في اعتراف ضمني بأنّ الإغلاق تسبب بكارثة اجتماعية.
وبحسب بعض المقاييس، فإنّ هذه أكبر موجة تسريحات منذ ركود 2008-2009. فقد وجد تقرير الشهر الماضي الصادر عن «Challenger, Gray & Christmas» أنّ أصحاب العمل الأمريكيين أعلنوا عن 1.1 مليون عملية تسريح بحلول نهاية تشرين الأول هذا العام. ومن المتوقع صدور تقرير شهر تشرين الثاني في وقت لاحق هذا الأسبوع.
ووجد تقرير من «HR Digest» أنّ التحذيرات من عمليات التسريح الجماعي المقدَّمة للحكومة بلغت أعلى مستوياتها خلال عقد. ووصفت المجلة عام 2025 بأنه «عام التسريحات».
وتستخدم الشركات تقنيات الأتمتة والذكاء الاصطناعي المتطورة سريعاً للقضاء على شرائح واسعة من القوة العاملة، فارضة تكلفة الأزمة الاقتصادية المتصاعدة على الطبقة العاملة والشرائح الأكثر هشاشة من الطبقة الوسطى. وتعود هذه الأزمة إلى مزيج من الفقاعات المضاربية المنفلتة، بما في ذلك فقاعة الذكاء الاصطناعي نفسها، وإجراءات الحرب التجارية حول العالم التي تقودها إدارة ترامب.
الصورة التي تتشكّل هي لإعادة توزيع sweeping للثروة من الغالبية الساحقة من السكان، بما في ذلك الطبقة العاملة وأكثر الفئات هشاشة من الطبقة الوسطى، نحو الأوليغارشية والشرائح الأكثر ثراء في المجتمع. وهي نتيجة سياسة حرب طبقية يتجلّى تعبيرها الأكثر مباشرة في خطط ترامب المستمرة لإقامة دكتاتورية.


التسريحات مستمرة خلال موسم الأعياد


كشف تقرير ADP أنّ أكبر الانخفاضات في الوظائف كانت في قطاعات الخدمات المهنية والإدارية «26,000»، والأنشطة المالية «9,000»، وقطاع المعلومات «20,000»، وهي جميعها صناعات مكتبية «بيضاء» تُعتبر وظائفها الأكثر عرضة للاستبدال بالذكاء الاصطناعي. وقد أعلنت شركة HP مؤخراً أنها ستخفض 10 في المئة من قوتها العاملة العالمية، أي من 4,000 إلى 6,000 شخص بحلول عام 2028.
إضافة إلى ذلك، حدث انخفاض حاد في التصنيع «18,000»، واستقرار شبه تام في قطاعات التجارة والنقل والمرافق «التي ارتفعت بـ 1,000 فقط».
عادةً ما يرتفع التوظيف في القطاع الأخير في نهاية العام نتيجة التعيينات الموسمية، لكن تلك الزيادة تتلاشى بسبب عمليات التسريح الضخمة ضمن إعادة الهيكلة المدفوعة بالأتمتة. فقد أعلنت «UPS» عن 48,000 عملية تسريح حتى الآن هذا العام، و«USPS» تباهت مؤخراً بأنها ستوظف 14,000 عاملاً موسمياً فقط، هذا العام.
وفي قطاع التصنيع، كانت بعض أكبر الخسائر بين عمال صناعة السيارات، حيث تنفّذ الشركات عمليات تسريح واسعة. وقد أعلنت «جنرال موتورز» هذا الأسبوع عن أكثر من 1,000 عملية تسريح في مصنع «Factory Zero» في مدينة هامترامك قرب ديترويت. وكان هذا المصنع قد قُدّم سابقاً كحجر أساس في تحول الشركة نحو المركبات الكهربائية، لكنه يعمل الآن بنوبة واحدة فقط. وتشهد الصناعة حول العالم تسريحات مشابهة، مع توسّع عمليات الخفض عبر قطاع السيارات الألماني.
ومن العوامل الرئيسية وراء انخفاض الوظائف في الشركات الصغيرة ارتفاع التكاليف وتزايد عدم اليقين الاقتصادي، خصوصاً بسبب الرسوم الجمركية. فقلة رأس المال تجعل الشركات الصغيرة أكثر ضعفاً أمام تقلبات السوق.
وقال أحد أصحاب الأعمال الصغيرة لصحيفة «الغارديان»: «معظم المصنّعين والناشرين الذين أتعامل معهم ليست لديهم مساحة لتحمّل أو تمرير ارتفاع الأسعار إلى عملائهم، لذا فهم يتعرضون للضغط». وقد شهد يوم «السبت للأعمال الصغيرة»، وهو محطة مهمة في موسم الأعياد يلي «الجمعة السوداء»، نتائج كارثية حيث انخفض الإنفاق بنسبة 18 في المئة.
وأشار تحليل لـ ADP لأرقام الشهر الماضي إلى أنّ إجمالي الأجور للموظفين الجدد ارتفع على أساس سنوي بنسبة 1.7 في المئة فقط. كما ظل الأجر الوسيط للساعة ثابتاً لمدة 16 شهراً عند 18 دولاراً للساعة، وهو مبلغ بائس. ولأسبوع عمل من 40 ساعة، يعادل ذلك قليلاً أكثر من نصف متوسط تكلفة شقة في أمريكا البالغ 1,631 دولاراً، وفقاً لأرقام «Apartments.com».
ووجد تقرير صادر عن مجلس الشيوخ أنّ الأمريكيين ينفقون في المتوسط أكثر من 11,000 دولار إضافية للحفاظ على مستوى المعيشة نفسه الذي كان لديهم في بداية 2021. ورغم أن التقرير استخدم لأغراض سياسية داخلية عبر تحميل بايدن المسؤولية الكاملة، إلا أن الحقيقة هي أن الحزبين ملتزمان بسياسة التدهور الحاد في مستوى معيشة الطبقة العاملة.


تزايد عدم المساواة


تبيّن أن غالبية الناس يعانون ضائقة اقتصادية شديدة خلال موسم الأعياد. فقد وجد تقرير «WalletHub» أنّ 85 في المئة سينفقون المبلغ نفسه أو أقل من العام الماضي.
مع ذلك، تشير بيانات «Adobe» إلى أن إجمالي الإنفاق ارتفع بنسبة 7.1 في المئة إلى 137 مليار دولار حتى الآن هذا العام. ووجدت دراسة منفصلة أجراها بنك «BMO» أن الأمريكيين سينفقون نحو 2,800 دولار خلال موسم الأعياد، بزيادة 60 في المئة عن العام الماضي.

123
ويمكن تفسير هذا التناقض الواضح بعاملين. الأول: هو تمويل الإنفاق عبر الديون. فقد ارتفعت عمليات الشراء بنظام «اشتر الآن وادفع لاحقاً» بنسبة 9.0 في المئة وفقاً للدراسة نفسها من «Adobe». وكشف مسح لـ «Beyond Finance» أنّ واحداً من كل ثلاثة يتوقع الوقوع في الديون، وأن ثلثي المستجيبين يقولون إنّ من المستحيل معرفة ما يمكن إنفاقه «بأمان» بسبب عدم اليقين المالي. وقد أنفق معظمهم أكثر من طاقتهم أو يتوقعون ذلك، إذ وضع «الكثيرون... النفقات على بطاقاتهم الائتمانية «54 في المئة»، أو سحبوا من مدخراتهم «21 في المئة»، أو استخدموا خطط الشراء الآن والدفع لاحقاً «20 في المئة».
أما العامل الثاني فهو أن انخفاض إنفاق الغالبية الساحقة يتم تعويضه بزيادات هائلة في إنفاق الأثرياء جداً، الذين أصبحوا قوة دافعة رئيسية في الاستهلاك. وقد أشارت تقارير إلى اقتصاد احتفالات «شكل-K»، في إشارة إلى الاستقطاب الحاد.
وتعرض بعض العطلات الفاخرة المذكورة في موقع «villapads.com» مثالاً على ذلك. ففي منتجع «أسبن» بولاية كولورادو، نادراً ما يكتفي الأثرياء بالأجنحة الفندقية. بل يختارون عقارات على سفوح الجبال مجهّزة بمسابح مدفّأة، ومسارح خاصة، وطاقم يدير كل تفاصيل الإقامة. النقل بالطائرات المروحية، والطهاة الشخصيون، وخبراء العافية، كلها أمور تُقدّم كخدمات أساسية.
ويذهب آخرون إلى جزيرة «سان بارتيليمي» في الكاريبي، حيث يجذب ميناء «الميغاياخت» الخاص بها «اليخوت الخاصة، وعارضات الأزياء، وأباطرة الأعمال كل موسم شتاء».
وهذا التفاوت له أبعاد عالمية أيضاً. فقد كتبت مجلة «Gentleman’s Journal» البريطانية:
«إذا كنت تشعر بالضيق المالي هذا الموسم، فامنح لحظة تعاطف للطبقة فائقة الثراء، التي ستنفق أكثر من مليون جنيه إسترليني للهرب إلى مخبأ فاخر مثالي لعيد الميلاد. سواء باستئجار يخت ضخم، أو استحواذ كامل على قلعة، أو الاستمتاع بعزلة تامة في جزيرة خاصة... فإن الناس الذين يملكون كل شيء يستعرضونه في أجمل أوقات العام».
وقد أدت طفرة التكنولوجيا إلى ارتفاع مذهل في العقارات الفاخرة. ففي «سان فرانسيسكو»، إحدى أغلى المدن الأمريكية، «أعاد ازدهار الذكاء الاصطناعي إشعال الطلب على المنازل الفاخرة بين المشترين الذين يستفيدون من تقييمات الشركات الناشئة المتصاعدة»، مع مقارنة أحد المحللين الأمر بسيارة تتسارع إلى 100 ميل في الساعة. وقد ارتفعت نسبة المشترين من قطاع الذكاء الاصطناعي في المدينة من نحو15 إلى 25 في المئة بين الربعين الثالث والرابع من هذا العام.


وكتبت «بلومبرغ»: «الأثرياء جداً أظهروا إيماناً متجدداً بالمدينة».


دفعت المليارديرة «لورين باول جوبز» رقماً قياسياً قدره 70 مليون دولار لشراء منزل في المدينة العام الماضي. وجمّع الرئيس التنفيذي لـ «OpenAI» سام ألتمان مجمّعاً سكنياً على «Russian Hill»، إذ دفع 14 مليون دولار في كانون الثاني مقابل ثلاث قطع أرض بجوار العقار الذي اشتراه عام 2020 مقابل 27 مليون دولار.
وقال أحد وكلاء العقارات المحليين لـ«بلومبرغ»، من دون أي سخرية: «كان حي «نوب هيل» ميتاً تماماً... كان بإمكانك شراء شقة مقابل 800 أو 900 دولار للقدم المربع. أما الآن فهو 1,200». والرقم الأخير لمساحة قدم مربع واحدة يفوق بأكثر من الضعف الإيجار الشهري الذي يدفعه سكان «ليتلاند هاوس» من كبار السن في وسط ديترويت، الذين يتم طردهم من منازلهم تحت تهديد قطع الخدمات قبل أسابيع قليلة من عيد الميلاد.
وتُدفع هذه الثروات عبر فقاعات مضاربية ضخمة، مع «صفقات دائرية» من النوع المبرم بين «إنفيديا» و«OpenAI» التي تمهّد الطريق لانهيار اقتصادي في حال فشلت المدخرات العمالية الناتجة عن الذكاء الاصطناعي في الظهور بالسرعة المتوقعة. وقدّرَت شركة «MacroStrategy Partnership» البحثية حجم الفقاعة بنحو 17 ضعف فقاعة الدوت كوم في مطلع الألفية، وأربع مرات فقاعة العقارات التي أدت إلى الركود العظيم في 2008-2009.
وسيدفع ذلك إلى مزيد من الهجمات على مستويات المعيشة، إذ تسعى النخبة الرأسمالية إلى استخراج أكبر قدر ممكن من فائض القيمة للحفاظ على الأرباح وقيم الأسهم. إضافة إلى ذلك، تظهر التجارب أنّ الأوليغارشية والشركات الكبرى ستتلقى عمليات إنقاذ حكومية بمليارات الدولارات.
هذه إدانة للنظام الرأسمالي. فالأوضاع المستحيلة التي تتفاقم هذا الموسم ستقود عشرات الملايين إلى النضال، وإلى قناعة متزايدة بأنّ التغيير الثوري بات ضرورياً.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1256