مرونة سلاسل التوريد لإدامة الهيمنة
بنجامين سلوين بنجامين سلوين

مرونة سلاسل التوريد لإدامة الهيمنة

هذا البحث الذي كتبه بنجامين سلوين، بروفسور التنمية الدولية في جامعة سوسيكس، يتناول الآثار المستمرة منذ بداية جائحة فيروس كورونا على سلاسل التوريد العالمية والتحديات التي تواجهها. يشير الكاتب إلى أن سلاسل التوريد العالمية تعتبر هيكلاً متكاملاً للرأسمالية العالمية المعاصرة، وأي اضطراب في هذه السلاسل يهدد بشكل كبير أطر النظام الذي تعمل الرأسمالية بموجبه. ولهذا تعمل مؤسسات النظام على اقتراح سبل لزيادة «مرونة» سلاسل التوريد بهدف التصدي لهذه الأزمة.

ترجمة: قاسيون

وتشير الدراسة إلى أن هناك أدلة متزايدة تشير إلى أن سلاسل التوريد العالمية تمثل أشكالاً تنظيمية للرأسمالية تهدف إلى زيادة استخلاص القيمة الزائدة من العمل، وتيسير نقلها الجغرافي من الجنوب العالمي إلى الشمال العالمي. وقد ساهم تركيز سلاسل التوريد العالمية في يد الشركات الكبرى في تحوّل ملحوظ في الدخل الوطني من العمل إلى رأس المال في معظم أنحاء العالم. يشدد النص على مدى أهمية مرونة سلاسل التوريد بالنسبة للشركات من خلال تعزيز سلطة الكبرى منها على الموردين وزيادة التحكم في العمل بواسطة رأس المال في جميع مراحل سلاسل التوريد. وكما رأينا في رد الفعل الأول من قبل الشركات والدول على أزمة كوفيد-19 هو تحميل العمال عبء الأزمة.
تستدعي سياسات المرونة تعزيز الرقابة من قبل الشركات الكبرى على الشركات المورّدة، وهذا يتطلب زيادة المراقبة والتعاون بين هذه الشركات. وتعدّ توصيفات سلاسل التوريد وممارستها لرصد الاستجابة للصدمات في السلسلة جزءاً من استعمار رأس المال الفكري، حيث تصبح المعلومات جزءاً أساسياً في إدارة سلاسل التوريد واستغلال القيمة الزائدة. وتشير السياسات المقترحة من قبل النخب لزيادة مرونة سلاسل التوريد إلى تصاعد اتجاهات تركيز رأس المال. فتنفيذ إستراتيجيات مثل توصيف سلاسل التوريد غالباً ما يكون مكلفاً جداً، وبالتالي يتاح هذا فقط للشركات الكبرى التي تمتلك الموارد اللازمة.
يرى الكاتب أنّ هناك تداعيات جيوسياسية ترتبط بمفهوم المرونة في سلاسل التوريد، ويركز على تقرير البيت الأبيض لعام 2021 بعنوان «بناء سلاسل توريد مرنة، إعادة إحياء التصنيع الأمريكي وتعزيز النمو الشامل». يوضح التقرير كيف تزامنت أزمة كوفيد-19 مع زيادة اتجاهات الاحتكار الداخلي في الرأسمالية. كما يتابع عرض المفهوم الناشئ للمرونة، ويشير إلى أن الرد الأول من قبل الشركات والدول على أزمة كوفيد-19 كان تحميل العمال أعباء الأزمة. ويسلط الضوء على السياسات المقترحة لزيادة مرونة سلاسل التوريد، مثل تطوير منتجات جديدة، وتحسين أشكال حوكمة سلاسل التوريد، ورصد الاستجابة للصدمات في السلسلة، وإعادة جلب الإنتاج إلى المناطق المجاورة بوصفها محاولات للتخلص من الأزمة.
ويركز البحث على أن هذه السياسات تؤدي إلى تصاعد اتجاهات تركّز الاستغلال وتركيز رأس المال في النظام الرأسمالي. وتتضمن هذه السياسات زيادة المراقبة من قبل الشركات الكبرى على الموردين، واستخدام المعلومات كأداة لزيادة سيطرتها على سلاسل التوريد وتحكمها في الأسعار ومصادر الإمداد. بالنسبة للشركات الكبرى، يعزز جدول أعمال المرونة الاتجاهات الرأسمالية السائدة، مثل استغلال العمل وتركيز رأس المال، ويضفي بُعداً جيوسياسياً متزايداً على المنافسة الرأسمالية. ويتضمن تركيزاً على الشركات الكبيرة وزيادة سيطرتها على سلاسل التوريد والعمال. ويشرح كيف تقوم الشركات الكبرى باستخدام تكنولوجيا المعلومات والمراقبة للسيطرة على المورّدين وتحقيق استفادة أكبر من قيمة العمل الزائدة.

تكاليف مرتفعة

توجه «سياسات المرونة» باتجاه تكلفة عالية ويصعب تنفيذها بالنسبة للشركات الصغيرة، مما يؤدي إلى زيادة التركّز في قطاعات الأعمال. تنتج هذه الاتجاهات تفاوتاً جغرافياً، وتفاقم التوترات الجيوسياسية والاقتصادية. بالإضافة إلى ذلك، تعاني سلاسل التوريد العالمية من ضعف النماذج الحالية للإنتاج، مما يجعلها عرضة للتأثر بالاضطرابات والأزمات.
يتناول الكاتب أيضاً الرواية المرتبطة بإعادة الهيكلة الصناعية إلى الولايات المتحدة، والتي تم استخدامها من قبل الرئيس السابق دونالد ترامب في أجنده «أمريكا أولاً». زعم ترامب أنه بعودة الإنتاج إلى الولايات المتحدة من دول مثل الصين والمكسيك، ستستعيد الولايات المتحدة صناعات ووظائف من فترة ما قبل النظام النيوليبرالي الحالي. ومع ذلك، فإن أجندته لم تجذب العديد من الشركات العالمية للعودة إلى الولايات المتحدة، السبب الرئيسي بالطبع نظراً لوجود اختلافات في الأجور العالمية، حيث تعد الأجور في الصين جزءاً صغيراً من الأجور الأمريكية.
وتوضح الدراسة أن الشركات والدول استخدمت الجائحة والإغلاقات المصاحبة لها لزيادة استغلال العمال في سلاسل التوريد الرئيسية. حيث قدمت الدول الدعم المالي للشركات الكبيرة وسمحت لها بالعمل في ظروف خطيرة وسرقة الأجور واستخدام العمالة غير الحرة والعمالة المجبرة. والأمثلة الأبرز تزايد حالات استغلال العمالة في صناعة الملابس وقطاع اللحوم وصناعة الأدوات الطبية. وربّما من أشهرها زيادة حالات العمالة المجبرة في صناعة القفازات المطاطية في ماليزيا، حيث يعمل العمال المهاجرون تحت التهديد والحرمان من حقوقهم.
تستثمر الشركات الكبيرة بشكل مكثّف في التكنولوجيا الرقمية والروبوتات والأتمتة لزيادة استغلال العمال وربحية الشركات. ويتم تحقيق هذه الأهداف من خلال تطبيق أنظمة الروبوتات والتكنولوجيا الرقمية في قطاع وحدات التخزين العالمي،
وتبدو النتائج عن تحويل العمال إلى أدوات للآلات واضحة ومدمرة لتنمية رأس المال البشري. ففي استطلاع أجري على 145 عاملاً في مستودع أمازون المؤتمت في ستاتن آيلاند، كان 66٪ منهم يعانون ألماً جسدياً أثناء العمل، و42٪ منهم استمروا في تجربة الألم خارج ساعات العمل. وكما يشير تقرير في الـ Financial Times، يتعرض البشر للطحن في نظام روبوت يعمل بوتيرة روبوتية. وقد ترافق العمل من المنزل بزيادة كبيرة في طول يوم العمل. فمجلة هارفارد بزنس ريفيو أشارت إلى أنه في الولايات المتحدة، «زاد طول يوم العمل المتوسط بمقدار 48.5 دقيقة خلال فترة الإغلاق في أوائل الجائحة... ونقدّر أن أفضل المؤسسات شهدت زيادة في الوقت الإنتاجي بنسبة 5 بالمئة أو أكثر».
باختصار، يتضح من البحث أن استغلال العمالة واستخدام العمالة المجبرة وسرقة الأجور ليست هي المسار الوحيد الذي تعزز فيه الشركات مرونتها في سلاسل التوريد. بل تشمل أيضاً استخدام التكنولوجيا الجديدة، وخاصة التكنولوجيا الرقمية والأتمتة، لزيادة استغلال العمال وربحية الشركات. فالشركات الكبيرة تستثمر بشكل كبير في تلك التقنيات بهدف تحقيق أهدافها. لذلك، يظهر أن الشركات الكبيرة تستخدم العديد من الإستراتيجيات لزيادة استغلال العمال وتحقيق مرونة أكبر في سلاسل التوريد. يشمل ذلك تكتيكات مثل انتقال الإنتاج إلى بلدان تقدم أجوراً أقل واستخدام العمالة المجبرة وسرقة الأجور، بالإضافة إلى الاستثمار في التكنولوجيا الرقمية والأتمتة لتحقيق ربحية أعلى. هذه الممارسات تؤثر سلباً على حقوق العمال وظروف عملهم، وتشكل تحدياً لتنمية رأس المال البشري والعدالة الاجتماعية.

بتصرّف عن:
Limits to Supply Chain Resilience: A Monopoly Capital Critique

معلومات إضافية

العدد رقم:
1122
آخر تعديل على السبت, 06 كانون2/يناير 2024 13:45