التضخم الأمريكي يضرب حتّى حليب الأطفال والمهم ربح الشركات
بعض التوترات الاجتماعية لها خسائر فاجعة، ما علينا سوى إلقاء نظرة على ١٩ طفلاً ومعلّماً تمّ قتلهم بوحشية ليكونوا ضحايا اللا استقرار الاجتماعي الأمريكي. لكن بالنسبة للسياسيين، يمكن لهذه الحوادث التي يتمّ إدراجها ضمن الحروب الثقافية أن تلهي الناس بسهولة عن الحقائق الاقتصادية. بهذا المعنى، فما يسمّى بالحروب الثقافية مجرّد هراء، فالرجعيون والفاشيون هم مجرّد صنيعة قاعدة يمينية فاسدة مكنت الشركات من سرقة ترليونات الدولارات من الطبقة العاملة.
ترجمة: قاسيون
ضمن هذا السياق، المواقف التي يحملها كلّ من الليبراليين والمحافظين، من الحرب الثقافية هي مجرّد عملية صرف انتباه للناخبين عن مخاطر النظام الاقتصادي الحالي، وإلهائهم عن السرقة التي يتعرضون لها بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة. ولفهم هذا الأمر يبدو التضخم هو المكان المثالي للبدء منه.
شهدت الأشهر الأخيرة وصول سعر غالون الوقود إلى ٧ دولارات في بعض الأماكن، والسعر الوسطي على طول الولايات المتحدة هو ٤,٥٠ دولار لغالون الوقود العادي. لو أنّ السيارات الكهربائية غمرت الأسواق بأسعار مقبولة، ولو أنّ البنية التحتية قد تمّ تحسينها لتناسب شحنها واستخدامها، لكانت أسعار الوقود الفلكية هذه أمراً ممتازاً للبيئة، لكنّ هذا مجرّد عالم من الأحلام، والواقع الحالي أنّ التضخم في الأسعار يضرب بعنف محافظ الأشخاص الذين لا يستطيعون تحمل التكاليف. لم يقتصر التضخم على أسعار الوقود، بل انفجرت الأسعار في السوبرماركت أيضاً لتطال كلّ الأساسيات: اللحوم والفواكه والخضراوات والخبز.
قد يحترق السياسيون ولكنّ النظام باقٍ!
أحد الأشياء التي ساهمت في تسريع ارتفاع الأسعار هي العقوبات المفروضة على روسيا. كما اتضح لجهابذة السياسة الغربيين فقد جاءت العقوبات بنتائج عكسية على الاقتصادات الأوروبية وفي الولايات المتحدة. اتضح بأنّه من غير الممكن معاقبة اقتصاد ضخم مثل روسيا، يوفّر الكثير من السلع الأساسية، دون أن تطلق النار على رأسك.
من المتوقع أن يصبّ الإنسان الغربي العادي جام غضبه على السياسيين المسؤولين عن فرض العقوبات في أوروبا وأمريكا في الاستطلاعات والانتخابات القادمة، وإن نجا أحد منهم سأكون مندهشة. لكن في الحقيقة، على الناخبين أن يدركوا بأنّ المشكلة ليست في هؤلاء السياسيين فقط، بل في النظام الاقتصادي القائم بأكمله.
في الولايات المتحدة، يحاول المحافظون الانحراف عن السبب الحقيقي للتضخم وارتفاع الأسعار بشكل صاروخي عبر تحميل الليبراليين المبذرين المسؤولية والقول: لو لم يتمّ تمرير حزمة إنفاق المساعدات «BBB» لكانت الأسعار أقلّ ارتفاعاً بنسبة ٥٠٪. هذه محاولة ذكية وجذابة، لكنّها خاطئة. فإن كنّا سنتحدث عن التبذير في الإنفاق، فلدينا الإنفاق الذي كان يجب تسليط الضوء عليه: الجيش. ليتمّ تخفيض ميزانية البنتاغون لتصبح كما تدفعها دول مثل أستراليا مثلاً، وسنرى عندها ما التأثير الذي سيتركه الأمر.
التضخم من أجل ربح الشركات الأقصى!
المشكلة الحقيقية أنّ الأسعار ترتفع لأنّ الشركات ترفعها. يسمى هذا بالتلاعب، ولكنّ السياسيين لن يشيروا إلى المكان الصحيح، وسنحصل على أعذار كاذبة ومحاولة تحميل روسيا المسؤولية. الشركات الأمريكية والغربية كلها تقوم بالسرقة وتسميها «تضخماً». تفي هذه الكلمة بالغرض بالنسبة لهم، فمصطلح «التضخم» يبدو هنا وكأنّه أمرٌ خارج عن السيطرة، كقوة من قوى الطبيعة التي لا يمكن ردعها، لكنّه في الحقيقة ليس كذلك. لنجرّب تحديد الأسعار من قبل سلطة حكومية، وسنرى إن كان ما أقوله صحيحاً.
هل تشك في أنّ الشركات الأمريكية تتلاعب بالأسعار؟ حسناً، لا تنظر أبعد من النقص في حليب الأطفال لإثبات ذلك. لدينا الآن آباء وأمهات جدد محمومون يتجولون بقلق بين متاجر السوبرماركت والصيدليات. بينما يصفهم البعض بالغباء أمثال المشاهير الذين ربما لا يعلمون بأنّ البعض يعمل من أجل لقمة العيش ورؤسائهم في العمل لا يسمحون لهم بأخذ إجازات وفترات راحة للإرضاع، تحاول وسائل الإعلام الشركاتية أن تفسّر هذه الندرة بشكل يسمح لشركات حليب الأطفال برفع سعرها. لهذا فالحقيقة البشعة هي: طفلك جائع، ولكن الشركات الضخمة تريد جني المزيد من الأموال.
لمزيد من الإثباتات على التلاعب بالأسعار، انظر إلى الإسكان، حيث وصلت أسعار الإيجارات إلى السماء. يتخلى أفراد الطبقة الوسطى الميسورون بعض الشيء عن حلم تملّك المنازل بدلاً من استئجارها مع ارتفاع أسعار المساكن إلى مستويات غير مسبوقة. شهدت بعض المناطق مثل كيتشوم في ولاية أيداهو – حيث ارتفعت الأسعار منذ العام الماضي لتتخطى حاجز المليون دولار – مأزق في استيعاب الممرضات ورجال الإطفاء والمعلمين. اقترح رئيس البلدية حلاً «مبدعاً في حينه»: مدينة من الخيام في حديقة المدينة، وعلى الراغبين باستخدام الحمام والاستحمام أن يسيروا تجاه «جمعية الشباب المسيحيين» قبل الذهاب إلى عملهم. رغم أنّ البلدة بحاجة خدمات هؤلاء، فهم بالنسبة لها كعبيد الأرض يمكنها أن تسكنهم الخيام.
في الحقيقة، نصب زوجان في الغابة الوطنية خارج المدينة خيمة لهما بعد عام من ذلك الاقتراح، فهما لم يتمكنا من العثور على سكن في أيّ مكان قريب من وظائفهما. لكنّ هذين الزوجين المشردين في الغابة ليسا حالة فريدة في ولاية أيداهو، ولا في أية ولاية أمريكية أخرى.
الأمريكيون لم يعودوا يعاملون كبشر!
إذاً بالنسبة للغالبية العظمى من الأمريكيين: ليس بإمكانهم تحمّل نفقات الرعاية الطبية، والخوض في مسائل التعليم العالي يكسر الظهر، ويتوجب عليهم أن يدفعوا أكثر من ألف دولار شهرياً مقابل ستوديو بحجم خزانة إن وجد أصلاً. والآن، ترتفع تكلفة الطعام والوقود إلى مستويات خطيرة، وليس من المستغرب أن يموت الأطفال جوعاً أولاً، فكما يبدو أنّه في خضمّ الجدال حول حق الإجهاض، لا أحد يهتمّ بهؤلاء الأطفال إلّا قبل ولادتهم، أمّا بعدها فليموتوا فهذا لا يهم.
اليوم، يواجه الأطفال وأهلهم زجاجات فارغة ورفوف متاجر فارغة. لكنّ شركات مثل أبوت، التي تحتكر احتكارات حليب الأطفال، تجد هذا النقص مربحاً. ألم يحن الوقت لتفكيك كارتل حليب الأطفال، وإلغاء الحماية الحكومية السخيفة للشركات الثلاث الضخمة التي تهيمن على السوق؟
أعلنت الإدارة الأمريكية بأنّها ستقوم بذلك، وبأنّها ستحصل – بالإضافة إلى تطبيق قانون الإنتاج الدفاعي – على صيغة الحليب من أوروبا. حسناً، الأطعمة الأوروبية مغذية بشكل كافٍ، لكن لماذا لم يتمّ هذا حتّى الآن رغم الحديث عنه من شهر شباط الماضي؟ هل الأمر مرتبط بإدارة الغذاء التي تتعامل مع الحليب اليوم مثلما تعاملت دوماً مع الأدوية واللقاحات بتجميد الموافقات سنوات؟
في الحقيقة، ورغم أنّ الأطفال الذين يموتون جوعاً لا يعنون الكثير للمقاولين الدفاعيين الذين تغدق عليهم أموال البنتاغون وأموال الضرائب بمجرّد أن يفرقعوا أصابعهم، فأصواتهم الشبحية المفقودة ستبقى في أذهان آبائهم وأمهاتهم الغاضبين. وفي بلد الحسابات السياسية فيه مختلة عقلياً كالولايات المتحدة، لا بدّ وأن يدرك هؤلاء الغاضبون في نهاية المطاف أين عليهم توجيه غضبهم.
بتصرّف عن:
Biden and Inflation
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1072