كيف أصبح اقتصاد الهند الأسرع نمواً في العالم؟

كيف أصبح اقتصاد الهند الأسرع نمواً في العالم؟

في عام 2017 تفوقت الهند على الصين كأسرع اقتصاد نمواً في العالم، وتوقع صندوق النقد الدولي أن يزيد الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 7.6% خلال عام 2017. كذلك ووفقاً للصندوق، فإن الهند تملك سابع أكبر اقتصاد في العالم بنمو 2.29 تريليون دولار.

ترتبط الصورة النمطية للهند بمشاهد فقر، الصورة التي ركز عليها الإعلام الغربي ضمن سعيه المستمر لتقسيم العالم بين دول مركز رأسمالي «متطور» ودول أخرى «متخلفة»، لكن للهند جوانب أخرى أكثر إشراقاً، فالبلد ذو الغنى الحضاري، والذي كان مستعمراً لعقود استطاع مؤخراً تحقيق معدلات نمو اقتصادية فاقت معدلات النمو لمستعمريه السابقين، ومن المتوقع أن يحافظ على موقعه كأسرع نمو في العالم خلال العقد القادم. فأين تكمن المعجزة؟
في أبعاد النمو
تعزي بعض الدراسات آفاق النمو السريع في الهند إلى استمرار التوسع في مجالات جديدة مع استمرار تراكم الخبرات، حيث استطاعت تحقيق نجاحٍ في تنويع صادراتها، بالاعتماد على قطاعات جديدة وأعلى مستوى من التعقيد مثل الصناعات الكيماوية والالكترونية، وصناعة المَركبات، كما أن الهند تمتلك قوة عاملة كبيرة وشابة، حيث يزيد عدد سكانها عن المليار نسمة، ولذلك تمكنت في السنوات الأخيرة من استقطاب عدد كبير من الشركات العالمية التي تنتمي إلى مختلف القطاعات والصناعات، بدءاً من الإنتاج الدوائي، ووصولاً الى صناعات التعدين وتكنولوجيا الفضاء. من ناحية أخرى: فإن قطاعاً أساسياً كقطاع الزراعة هو قطاع متطور في الهند، حيث تشكل نسبة مساهمته في النمو الاقتصادي لعام 2016 حوالي 17.4 % مما جعلها تحقق أمنها الغذائي وتصبح مصدراً صافياً للغذاء.
والشيء الملحوظ حول النهج الاقتصادي المتقدم في الهند خلافاً للاستراتيجية الآسيوية الكلاسيكية بتصدير السلع المصنعة كثيفة العمالة، وبأسعار منخفضة إلى الغرب، هو اعتمادها على سوقها المحلي أكثر من الصادرات، وعلى التكنولوجيا الفائقة أكثر من الصناعات ذات المهارات المنخفضة. مما يعني أن الاقتصاد الهندي كان معزولاً في معظمه عن الأزمات العالمية، مما استطاع تأمين قدر كافٍ من الاستقرار في ظل الأزمة الحالية. بالإضافة إلا أن 30 إلى 40 في المائة من نمو الناتج المحلي الإجمالي يعود إلى زيادة الإنتاجية وليس إلى زيادة في رأس المال، وهي علامة حقيقية على صحة الاقتصاد وتقدمه.
الهند أكثر مساواة من أمريكا
عند التذكير بالنمو الاقتصادي الهندي السريع وتطور قطاعاته، قد يجيب البعض: ولكن معدلات الفقر عالية جداً في الهند! في الحقيقة تشير البيانات إلا أنه وفي العقدين الماضيين، تضاعف حجم الطبقة الوسطى أربعة أضعاف (إلى ما يقرب من 250 مليون شخص)، و أن معدل الفقر انخفض اليوم إلى 12.4%، بعد أن كان حوالي 21% عام 2012، مع زيادة الإنتاج والتصنيع.
علاوة على ذلك، فإنه وحسب مؤشر جيني، وهو مقياس لعدم المساواة في الدخل على مقياس يتراوح بين صفر و 100، بلغ في الهند 33، مقارنة بـ 41 في الولايات المتحدة على سبيل المثال.
اقتصاد مخطط
الأمر الذي لا تتم الإشارة إليه كثيراً عند محاولة تفسير التقدم الاقتصادي في الهند هو: أن اقتصادها هو اقتصاد مخطط قائم على وجود خطط خمسية يشرف على تنفيذها جهاز الدولة. طبقت أول خطة خمسية في الهند عام 1951 ضمن التوجه الاشتراكي لجواهر لال نهرو، أحد زعماء حركة الاستقلال، وأول رئيس وزراء بعد الاستقلال، نظام الخطة الخمسية المستوحى من الاتحاد السوفييتي، ساهم في دفع عجلة التنمية في الهند بعد الاستقلال، فقد دعمت أول خطة خمسية بقوة الإنتاج الزراعي، كما أطلقت التصنيع في البلد، وأمّنت دوراً كبيراً للقطاع العام، فضلاً عن إتاحة الفرصة للقطاع الخاص بالنمو.
الخطة الخمسية الحالية (2012-2017) هي الخطة الخمسية الثانية عشرة التي تعتزم الحكومة من خلالها تحقيق معدل نمو بمعدل 8% على أساس مستدام، والحد من الفقر بنسبة 10%. بالإضافة إلى تحسين مشاريع البنية التحتية.
التوجه شرقاً
كانت الهند إحدى الدول المؤسسة لمجموعة البريكس عام 2009، وعضواً أساسياً فيها حتى الآن، وبانضمامها إلى هذا التكتل الذي يشكل أعضاؤه الخمسة أكثر من 2/5 من سكان العالم مع ناتج محلي إجمالي يزيد عن 16 تريليون دولار، استطاعت الهند رفع مكانتها في النظام الجيوسياسي والاقتصادي العالمي. كما أن بنك التنمية الجديد لدول البريكس منح الهند فرصة تمويل احتياجاتها للاستثمار في البنى التحتية، بعيداً عن المؤسسات المالية الغربية وشروطها المجحفة، مما أمّن لها قدراً أعلى من الاستقرار والنمو، وقدرة أكبر على مواجهة مؤسسات بريتون وودز وأكسبها نفوذاً أكبر على الصعيد الدولي.
تقدم الهند نموذجاً جديداً لاقتصاد يخطو بخطى ثابتة نحو الأمام، استطاع تحقيق معدلات نمو هي الأسرع عالمياً، من خلال تعبئة القدرات والموارد المحلية، ومن خلال رفع الإنتاجية والتصنيع في أكثر القطاعات تطوراً، وهو نموذج تحظى فيه الدولة بدور أساسي في الإشراف والتنفيذ، استطاعت من خلاله تحسين الموضع المعيشي لسكانه، وتحقيق قدر أكبر من المساواة، كما أن التوجه الشرقي للهند ضمن لها موقعاً أفضل على الخارطة الدولية، وأمّن لها قدراً أعلى من الاستقلالية، بمعزل عن الغرب ومؤسساته المالية المأزومة.

معلومات إضافية

العدد رقم:
822
آخر تعديل على السبت, 05 آب/أغسطس 2017 14:23