هل يكون 2017 عام نهاية اليورو؟
أوروبا لا تبلي حسناً، فقط في هذا العام عاد الناتج المحلي الإجمالي لمنطقة اليورو مجتمعة إلى مستويات ما قبل الأزمة، وهل يمكن اعتباره نصراً على اعتبار أن إسبانيا مثلاً: لا تزال فيها معدلات البطالة 20%، ومعدلات بطالة الشباب أكثر من ضعف هذه النسبة. اليونان لا تزال في كساد عميق، ومعدل النمو في المنطقة عموماً لا يزال قريباً إلى 1.6%.
يتحدث المؤرخون عن «عقدٍ ضائعٍ» في منطقة اليورو. ومن المحتمل انهم سيكتبون قريباً عن عقد أوروبا الأخير. أُنشئ اليورو في 2002، ولكن الثغرات في ترتيبات نشأة هذه العملة، في عام 1999 قد توضحت في عام 2008 في الأزمة المالية العالمية.
الأزمة في البناء الأساسي
رأى الاقتصاديون: أن اختبار اليورو يرتبط بالصدمات والأزمات. وكانت أوروبا غير محظوظة بأزمة من هذا الحجم، آتية عبر المحيط الأطلسي. ففي عام 2010، أزمة اليورو كانت قد عصفت من الجهات كلها. ذلك مع أزمة الديون المتعثرة في دول الأطراف الأوروبية: اليونان إسبانيا، إيرلندا، والبرتغال.
ولكن نظرة أدق إلى منطقة اليورو، تظهر أن اختلال التوازن يعود إلى البناء الأساسي منذ البداية. حيث أن تدفق المال تجاه هذه الدول، مع الوهم بأن هذاالتدفق بتخفيفه لحدة المخاطر، يزيل المخاطر كافة. وهذا قد زاد الأوهام حول واحد من المفاتيح الأساسية في بناء منطقة اليوريو: المبنية على الاعتقاد: بأنه فقط في حال قامت الحكومات بالمحافظة على نسبة عجز أقل من 3% من الناتج، ودين بأقل من 60% من الناتج، وتضخم بمقدار أقل من 2% سنوياً، فإن الأسواق سوف تضمن استمرار النمو والاستقرار. وهذه الأرقام والأفكار السابقة، لا أساس لها سواء في النظرية أو التطبيق.
معادلة الثراء والفقر في أوروبا
إيرلندا وإسبانيا، هما اثنتان من أكثر الدول تأثراً، وفي الحقيقة هما يمتلكان فائضاً قبل الأزمة. لكن الأزمة قد سببت عجز الدولتين ودَيْنهِمِا. الأمل كان بأن الأداء المالي والنقدي، سيؤدي إلى الاندماج، أو التقارب أو الالتحاق، بالمستوى المطلوب، ليتيح لنظام العملة الموحدة، العمل بشكل أفضل.
بالمقابل، كان هناك تباعد، بين الدول الغنية التي تزيد غنى، والفقيرة التي تزيد فقراً، ضمن منطقة اليورو. وضمن الدول نفسها: الأغنياء يزدادون غنى، والفقراء يزدادون فقراً. إن الهيكلية العميقة لمنطقة اليوريو، هي التي أدت إلى نتيجة من هذا النوع.
السوق الواحدة، على سبيل المثال: سهلت حركة رؤوس الأموال لتخرج من بنوك الدول الضعيفة، وتزيد من قوة البنوك في الدول المركزية القيادية، لتسبب مزيداً من الضعف للدول الأضعف.
التقشف يفرز مشهداً جديداً
قيّم الاقتصاديون آفاق ترتيب العملة الواحدة، وكانوا قد أكدوا قبل نحو ربع قرن، على أهمية انتقال العمالة بشكل كافٍ بين الدول، والميزانية الكبيرة المشتركة، الكافية لتجنيب المنطقة الصدمات المتوقعة، وكذلك مستوى التشابه الاقتصادي الكافي بين الدول. لكن اليورو كان قد استحوذ على اثنتين من الأدوات الهامة للتكيف والصرف وأسعار الفائدة، لكنه في المقابل، لم يضع أي شيء مكانها. ولم يكن هناك أي تأمين مشترك للودائع، وأي وسيلة مشتركة لحل المشاكل في القطاع المصرفي، كما لم يكن هناك نظام مشترك للتأمين ضد البطالة.
وبالقدر نفسه من الأهمية، فقد تجاهلت هذه المناقشات في وقتٍ مبكر أهمية التقارب الفكري: إذ أن هناك فجوة كبيرة في التصورات، حول الآليات، التي من شأنها أن تخلق سياسات اقتصادية جيدة، وبشكل خاص بين ألمانيا وباقي الدول الأوروبية. وهكذا، فإن سياسة التقشف- التي تعتقد ألمانيا أنها يجب أن تحقق عودة سريعة للنمو- قد فشلت فشلاً ذريعاً في الدول كلها التي حاولت ذلك تقريباً.
وكانت انعكاسات سياسة التقشف جلية في عدد من الدول. ففي اليونان وإسبانيا والبرتغال، صوتت أعداد كبيرة من الناخبين للأحزاب المناهضة لفكرة التقشف الاقتصادي. ومع ذلك، شعرت هذه الدول أنه ليس لديها خيار آخر غير الانصياع لمطالب ألمانيا.
هل «تزحط» أوروبا؟
كان طموح اليورو تحقيق المزيد من الرخاء في أوروبا، الذي من شأنه أن يعزز التكامل الاقتصادي والسياسي. لقد كان اليورو مشروعاً سياسياً، لكن السياسة لم تكن قوية إلى ذلك الحد الذي سمح لها بإنشاء ترتيبات مؤسسية، تضمن النجاح لهذا المشروع. ومع استمرار الركود، وما هو أسوأ من ذلك، فإنه لم يكن من المستغرب أن يؤدي ذلك إلى زيادة الانقسام الأوروبي، بدلاً من التضامن بين الأوروبيين. أما اليوم، فيبدو جلياً أن اليورو- الذي كان من المفترض أن يكون وسيلة لتحقيق غاية ما- قد صار بحد ذاته غاية! ذلك لتجنب الوصول إلى أحد أهم التهديدات للمشروع الأوروبي ككل.
تشارك أوروبا اليوم في سياسة حافة الهاوية، لكن الخطر في هذه السياسة الذي لم يره كثيرون، هو: أنه هناك احتمال كبير في نهاية المطاف أن «تزحط» أوروبا فعلاً عن هذه الحافة.
الإصلاحات غير الممكنة
تتشابك قوى السوق والسياسة. وسيكون على الناخبين ألا يكونوا سعداء خلال المرحلة المقبلة، لأنهم ببساطة فعلوا أسوأ الاحتمالات الممكنة منذ وقت طويل، إذ عَبّروا عن غضبهم من خلال التصويت ضد أحزاب الوسط من اليمين واليسار. والمنشقين عن لواء هذه الأحزاب، هم من يعيش اليوم حالة من الصعود.
القادة الأوروبيون، واستشعاراً منهم باللحظة التاريخية، ربما سيقومون بما هو مطلوب في منطقة اليورو، والتي من شأنها تمكين ترتيب العملة الموحدة لتبقى صالحة للعمل، وتحقيق الازدهار المشترك. وربما، سيكون عام 2017 هو العام الذي تأخذ فيه مسألة إصلاح منطقة اليورو مساحة مهمة.
من أجل نظام العملة الموحدة للعمل، يجب أن يكون هناك مزيدٌ من الشعور الأوروبي، والمزيد من التضامن، المزيد من الرغبة لدى الدول الأقوى لمساعدة الدول الأضعف، والمزيد من الرغبة في إنشاء مؤسسات، مثل: التأمين المشترك على الودائع، والخطط المشتركة ضد البطالة. لكن الفشل في منطقة اليورو يجعل هذه الإصلاحات صعبة إلى أبعد الحدود.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 792