يوسف البني يوسف البني

الحكومة توقف شركات في القطاع العام.. تبرير الجريمة بتسميتها «رصاصة رحمة»!

بات معروفاً أن رئيس مجلس الوزراء كان قد أرسل إلى وزارة الصناعة بتاريخ 22/3/2009 الكتاب رقم 1542/1، والذي يتضمن أسماء 17 شركة من شركات القطاع العام تابعة للمؤسسات النسيجية والغذائية والهندسية والكيميائية والأسمنت، لدراسة وضعها المادي والإنتاجي، تمهيداً لتصفيتها وطرحها للخصخصة أو الاستثمار بعد توقيف العمل فيها بقرار رسمي، بحجة أن هذه الشركات متعثرة أو متوقفة عن الإنتاج وتشكل عبئاً على القطاع العام.

وهذه الشركات هي: شركة حمص للغزل والنسيج والصباغة، شركة حرير دريكيش، الشركة السورية للبسكويت والشوكولا (غراوي)، شركة كونسروة الميادين، شركة صناعة الزيوت والصابون العربية بدمشق، شركة دمشق للمنتجات الغذائية (كاميليا)، الشركة العربية لصناعة الأخشاب باللاذقية، معملا العلب المصنعة من المطاط والغازات في الشركة السورية للبطاريات، معمل بطاريات القدم، خطوط إنتاج شاشات الأبيض الأسود والهواتف والريسيفر في شركة النصر (سيرونكس)، الشركة العامة لصناعة المحركات باللاذقية، الشركة العامة لصناعة الألمنيوم في اللاذقية، الشركة العامة للكبريت والخشب المضغوط وأقلام الرصاص، معمل الخزف في الشركة العامة للصناعات الزجاجية والخزفية بدمشق، الشركة العامة للدباغة بدمشق، شركة حلب لصناعة الأسمنت الأميانتي، معمل أسمنت برج إسلام التابع لشركة الشهباء للأسمنت بحلب.

حينها، وقفت القوى الوطنية الشريفة ضد هذه الطروحات، وقال العمال وتمثيلهم النقابي كلمتهم المعترِضة والرافِضة لها، وكان لـ«قاسيون»، الصوت الناطق بلسان الجماهير الكادحة، والمدافع الأول عن لقمة عيش المواطن ومكتسبات الطبقة العاملة، الموقف المشرف بالمطالبة بدعم شركات القطاع العام وتحديث خطوط الإنتاج فيها والحفاظ عليها كملكية عامة يحميها الدستور، وقامت بفضح السياسة الليبرالية التي ينتهجها الفريق الاقتصادي في الحكومة، الساعي بلهاث مجنون وراء مخططات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي في خصخصة شركات القطاع العام وطرحها للاستثمار.

ومنذ ذلك الوقت وحتى اليوم، عملت الحكومة على تنفيذ مخططها على مسارين: مسار أول عملي، سريع، غير معلنة أهدافه البعيدة، يهرول نحو الخصخصة واللبرلة بذرائع مختلفة.. أما المسار الثاني فهو علني مراوغ يستجيب ظاهرياً لطموحات المواطنين ويظهر الحكومة بصورة من يحافظ على مصالحهم وشؤونهم، حيث خصص مجلس الوزراء الحيز الأكبر من جلساته لمناقشة واقع القطاع العام الصناعي، وسبل ومتطلبات تطويره، والصعوبات التي يشكو منها، ومقترحات الوزارة لمعالجتها بهدف تطوير أداء هذا القطاع وزيادة إنتاجيته وتعزيز قدرته التنافسية، ووافق مجلس الوزراء على اعتماد الإجراءات والتوجهات التالية رسمياً:

1- إلغاء احتساب الاهتلاكات عن الأصول المستهلكة دفترياً.
2- الموافقة لمدة ثلاث سنوات بداية من /1/7/2009/ على اعتبار المؤسسات الصناعية وحدة مالية مستقلة بحيث يقدم بيان ضريبي موحد عن نتائج أعمال المؤسسة وشركاتها ويتم تسديد ضريبة دخل الأرباح عن الأرباح المحققة بعد حسم خسائر الشركات المتعثرة والمتوقفة وذلك عدا مؤسستي القطن والتبغ.
3- السماح للمؤسسات والشركات التابعة لها بالاحتفاظ بالفوائض المالية المحققة لديها على أن تقوم هذه الشركات بتسديد كتلة الرواتب والأجور في الشركات المتعثرة وذلك عدا مؤسستي الأقطان والتبغ وذلك اعتباراً من /1/7/2009.
4- تشميل مشاريع القطاع العام الصناعي الجديدة بأحكام المرسوم 51 لعام 2006 والمرسوم 8 لعام 2007 بهدف الاستفادة من المزايا والإعفاءات الممنوحة في هذا المجال للقطاع الخاص.
5- الموافقة على بيع الغزول في الأسواق الداخلية لمن يشاء من أجل زيادة مبيعاتها.
6- الموافقة على رفع سقف الشراء المباشر إلى 300 ألف ليرة سورية لآمر الصرف، وإلى 500 ألف بموافقة الوزير، ولكل حالة على حدة، ولجميع الوزارات.
7- السماح لشركات القطاع العام الصناعي بتوقيع عقود تأمين صحي للعاملين فيها مع المؤسسة العامة للتأمين.
8- التنسيق مع المصرف الصناعي لتأمين القروض اللازمة لمشاريع الشركات والمؤسسات من فوائضها المالية المودعة لديه.

ولكن، وبعيداً عن هذه المقررات الرنانة، مرر مجلس الوزراء خلسة بعض التوجيهات والتعليمات الرامية إلى تدمير مفاصل القطاع العام، وصولاً إلى القضاء التام عليه وخصخصته، ومن هذه التوجيهات:

1- إيقاف العمل في الشركات والخطوط الإنتاجية المتوقفة عن الإنتاج على أن يستمر العاملون في هذه الشركات بتقاضي رواتبهم.
2- نقل العمالة الفائضة في المؤسسات والشركات الصناعية إلى الجهات الإدارية ضمن كل محافظة.
3- توجيه اللجنة الاقتصادية بدراسة طرح الشركات المتعثرة أو المتوقفة أو أي أملاك غير مستثمرة لديها للاستثمار بجميع أشكاله، وإقرار عقود الإدارة مع شركات خاصة لإدارة كل أو جزء من الشركات التابعة، والتصديق على عقود اتفاقيات تسويقية مع شركات محلية وعالمية.

أما على الصعيد العملي فكان التحرك سرياً للغاية، حيث خرجت وزارة الصناعة مع مجالس الإدارات في الشركات المذكورة بصيغ تسمح لها بالقضاء على هذه الشركات نهائياً بحجة (إطلاق رصاصة الرحمة عليها)، وقد توَّج هذا التحرك بالقرار الصادر عن وزير الصناعة بتاريخ 9/9/2009 والقاضي رسمياً:

مادة 1: يوقف العمل في الشركات والمعامل والخطوط الإنتاجية (المذكورة آنفاً)
مادة 2: يستمر العاملون في الشركات والمعامل والخطوط المذكورة أعلاه بتقاضي رواتبهم في حال لم يتم نقلهم إلى جهات أخرى، وذلك خلال...
مادة 3: يتولى أعضاء اللجان الإدارية في الشركات موضوع إدارة مواقع شركاتهم بالتناوب فيما بينهم...
مادة 4: تتولى إدارات الشركات موضوع تنظيم أعمال الحراسة والأمان والمناوبات الليلية...
مادة 5: تُشكَّل لجان فنية من إدارة كل شركة مهمتها جرد الموجودات الثابتة والمخازين في الشركة، وتقييمها بالقيمتين الدفترية والفعلية.
لم يمهل القرار الشركات المتعثرة، والتي بدأت تستعيد عافيتها، بالاستفادة من فوائضها المادية بعد سنوات طويلة من الإنهاك والاستحلاب، وجاء خطوة خطيرة لإكمال جريمة القضاء على القطاع العام، والفائدة الوحيدة المرجوة منه هي تشجيع الاستثمارات الوهمية لحيز متزايد من القطاع الخاص المحلي والوافد، الذي لا يهمه سوى الربح الفاحش، والقبض بيد من حديد على لقمة عيش جميع المواطنين، والتحكم بها استغلالاً واحتكاراً..

وفي الختام يحق لنا أن نتساءل: أين مشروع قانون إصلاح القطاع العام الصناعي؟ وأين ذهبت الإجراءات /24/ التي قيل إن وزارة الصناعة اتخذتها من أجل إصلاح وإنقاذ شركات القطاع العام الصناعي؟ وإلى متى ستستمر الحكومة بصرف أجور العمال المعطلين عن العمل، وهي التي لم تشتهر في يوم من الأيام برأفتها على كادحي الوطن؟!