القوة العسكرية الروسية: (سوق سلاح» أم أكثر؟
لا يكاد يمضي أسبوع إلا ويخرج إلى العلن إنجاز جديد لروسيا في مجال القدرات العسكرية والقتالية. وبالنظر إلى التفاوت بين سرعة هذه الانجازات، ونوعيتها، وبين حجم الاتفاقات العسكرية التي تعقدها روسيا، يتأكد أن الموضوع أبعد من متطلبات سوق السلاح.
منذ سقوط الاتحاد السوفييتي، استثمرت الولايات المتحدة انفرادها في عالمٍ أحادي القطب لتتنصل من اتفاقية الحد من الأنظمة الصاروخية- التي كانت قد أبرمتها مع الاتحاد السوفييتي عام 1972- حيث أعلن الرئيس الأمريكي، جورج بوش الإبن، في مستهل ولايته الرئاسية عام 2001، أن الولايات المتحدة عازمة على «تسريع بناء شبكة الدفاع الصاروخي» العالمية.
اختلال التوازن.. واستعادته
الإعلان الأمريكي حول تسريع بناء هذه الشبكة، كان مؤشراً على اختلال التوازن السياسي والعسكري بين الولايات المتحدة وروسيا، إذ لطالما شكَّلت هذه الاتفاقية تعبيراً عن التوازن السابق للقطبين الأمريكي والسوفييتي. وكان قد لحق هذا الإعلان مجموعة من الحروب التي خاضتها الولايات المتحدة الأمريكية منفردة، لا سيما في أفغانستان والعراق.
في عام 2009، كانت أولى بوادر انقلاب المشهد قد ظهرت. تجلى ذلك، في أحد أوجهه، بإعلان الحكومة الروسية أنها سترفع نفقاتها العسكرية بمقدار الثلث، وهي النسبة التي أخذت تتنامى منذ ذلك الحين، وصولاً إلى الحجم الذي نعرفه اليوم، والذي تمثل باحتلال روسيا للمركز الأول عالمياً في عدد الدبابات (ضعف عدد الدبابات الأمريكية) والمدافع ذاتية الحركة (ثلاثة أضعاف ما لدى البنتاغون) وراجمات الصواريخ (ثلاثة أضعاف)، وحرصها على تطوير مجمع صناعاتها العسكرية، وذلك بهدف الوصول إلى المركز الأول عالمياً، من حيث إجمالي القدرات العسكرية والتكنولوجية، استناداً على تقدمها مع محور «بريكس» لتثبيت التعددية القطبية في العالم، بعد استعادة المكانة وطنياً على المستوى الشعبي واستعادة إدارة موارد البلد الذي يعادل مساحة قارة بأكملها.
استنهاض الهمم
تعد الصناعة العسكرية وتغطيتها الإعلامية في الاتحاد الروسي اليوم، أحد أبرز عناصر استنهاض الروح الوطنية والقومية وحسّ الانتصار لدى عموم الشعب الروسي، بما يعزز عوامل الصعود الدولي، ويرسخ وجود روسيا المتقدمة اقتصادياً وسياسياً ودبلوماسياً وعسكرياً في الوعي الجمعي الروسي، الذي تجاوز فترة القطيعة المصطنعة مع رموز وأحداث النصر والصعود والقوة في التاريخ الروسي الحديث.