المرافئ قبل إعادة الإعمار.. تجهيز= الإجهاز!
تظهر بين الحين والآخر طروحات توحي بأن للحكومة السورية مشروعاً حول إعادة الإعمار، ومن ضمنها ما طرح حول كون المرافق الرئيسية كالمرافئ والمطارات هي دعامة أساسية في الإعمار. هذا الانطلاق المنطقي من المرافق السيادية الأكثر إيراداً، يبدو للوهلة الأولى متناقضاً مع الإهمال الحكومي لواقع هذه المرافق، والمرافئ تحديداً، إلا أن مزيداً من التدقيق في السياسة الاقتصادية السورية يفسر طريقة التجهيز المتّبعة!
فأين التناقض، وكيف تم التوضيح؟
الحكومة تريد تأهيل المرافئ كدعامة للإعمار، وهذا يتناقض مع ترك الفساد يعمل في وضح النهار، وسط (تعامي) الحكومة. حيث أن المرافئ تعرضت وتتعرض باستمرار لعمليات أشبه (بالموت البطيء)، فينال التعطيل والعقوبات الكثير من آلياتها ومعداتها المستوردة من الغرب بأكملها، ويخترق الفساد والهدر كافة العمليات الخدمية في المرافئ، وكلما زادت المهام والمسؤوليات ازدادت صفقات الفساد (وزناً)، وزادت نسبة الهدر في المال العام.
إلا أن الرجوع إلى سياسة الحكومة الحقيقية والمعلنة حول إعادة الإعمار، قد يفسر الإهمال الحكومي. تلك السياسة القائمة حتى الآن على حصر دور الدولة بالتمهيد (للمستثمرين القادمين) ليقوموا بالإعمار، قد توضح طريقة (التأهيل) المتّبعة!. إن الجهات التي تريد إعادة الإعمار بالاعتماد على الموارد الخارجية فقط، عليها أن تجد الذريعة المناسبة لمشاركة القطاع الخاص المحلي والأجنبي في إدارة المرافق السيادية، وتحديداً بعد تجربة المرافئ السورية مع الشركات الخاصة المستثمرة (كالشركة الفلبينية) التي (هربت) بعد أن عطلت الأعمال ولم تسدد التزاماتها. هذه التجربة قد تجعل طرح المرافئ للاستثمار صعباً، إلا إذا فقدت المرافئ كل قدرة على الانطلاق بالعمل دون (إنقاذ) أو دعم من شركة مستثمرة!.
لذلك تقتضي مصلحة قوى الفساد الكبرى وهي المستفيدة الأكبر من الاستثمار، أن تفقد المرافق الهامة والقادرة على النهوض بذاتها جزءاً هاماً من قدرتها، وعلى الفساد والإهمال والهدر أن ينجز مهمة (الإجهاز)! فهذه المرافق قادرة حتى اليوم على تحصيل إيرادات 3,2 مليار ل.س بالحد الأدنى سنوياً، رغم الهدر والتعطيل.
إن ترك بوابات الهدر مفتوحة على مصراعيها في المرافئ وغيرها من القطاعات السيادية التي تؤمن للدولة إيرادات هامة، لا يمكن تفسيره إلا بنتائجه، فهو يؤدي إلى إفشال إدارة جهاز الدولة، وفي هذا استكمال للسياسة الاقتصادية الليبرالية، التي تلتقي مع مصالح الفساد الكبير في (السمسرة) على موارد البلاد.
إثبات الحكومة وأصحاب القرار النية الجدية في تأهيل المرافق العامة تمهيداً لإعادة الإعمار، يقتضي القضاء على الهدر والفساد الكبير أولاً لأنه الناظم لكل عمليات الفساد بكل مستوياتها، أو على الأقل عدم التماشي التام مع مصالحه كما يتم الآن. وطالما أن هذه العملية لا تتم فإن ما يقال عن (تأهيل وتجهيز) المرافق العامة، مطابق (للإجهاز) عليها تمهيداً (لمشاركتها)!