تركيا تعارك وسط المتوسط!
تزداد الأزمة الليبية تعقيداً ولا حلّ يلوح في الأفق إلى الآن، وعلى الرغم من الوضع المتأزم بشكل دائم تظهر اليوم مشكلة جديدة، لها وزنها وتعقيدها على المشهد، فقد أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن توقيع مذكرتي تفاهم مع حكومة الوفاق الليبية تخص الأولى السيادة على المناطق البحرية، والثانية في مجال التعاون الأمني.
جاء التوقيع هذا في 27 من شهر تشرين الثاني الماضي، بعد لقاء جمع بين الرئيس التركي ورئيس المجلس الرئاسي الليبي بطرابلس، فائز السراج، وانتهى بتوقيع مذكرات التفاهم، وسرعان ما بدأت ردود الفعل الغاضبة على هذه الخطوة من قبل مصر واليونان والحكومة الليبية المؤقتة المتمركزة في شرق البلاد بالإضافة إلى العديد من القوى الدولية الأخرى
ما الذي تتضمنه «المذكّرة»
المذكرة تهدف إلى ترسيم الحدود البحرية بين ليبيا وتركيا، وتحدد الجرف القاري والمنطقة الاقتصادية الخالصة «Exclusive economic zone» بين البلدين، وتنص اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار من العام 1982، على تحديد هذه المنطقة على امتداد 200 ميل بحري تقاس من شواطئ الدولة، ويعتبر من حق هذه الدولة استغلال موارد المنطقة الاقتصادية الخالصة، وبناء على هذه الاتفاقية ستشترك الدولتان في حدودٍ بحرية في وسط البحر الأبيض المتوسط وفي خط تماس يفصل بين منطقة كل بلدٍ منهم. وأعلن أردوغان في وقتٍ لاحق أنه سيقدم نسخة من هذه الاتفاقية للأمم المتحدة مشيراً إلى أن بلاده ستستخدم حقوقها «النابعة من القانون البحري الدولي والقانون الدولي (في البحر المتوسط) حتى النهاية».
ما المشكلة؟
على الرغم من وضوح القوانين الدولية إلى أن الواقع في المنطقة شديد التعقيد، ولا يمكن أن تمر هذه الاتفاقية ببساطة، فترى اليونان في ذلك تعدٍ على مصالحهاً، فهذه المنطقة تعتبر ضمن مجال جزيرة كريت وغيرها من الجزر اليونانية إلّا أن تركيا لا تعترف بجزيرة كريت كجزء من اليونان، وتستطيع تركيا تضيق الخناق على الجزيرة إلى حد بعيد إذا ما طبقت مذكرة التفاهم هذه، وهذه الخطوة تعرقل كلَّ المشاريع المشتركة التي تعمل عليها اليونان ومصر وقبرص لاستغلال موارد النفط والغاز المعلن عنها حديثاً في منطقة البحر الأبيض المتوسط. وتبدي العديد من الدول تخوفاً من التوجه التركي الليبي هذا، وبالطبع تشن الحكومة الليبية المؤقتة هجوماً على هذا الاتفاق، مؤكدةً على لسان وزير خارجيتها عبد الهادي الحويج، أنَّ حكومة الوفاق لا تملك صلاحيات لتوقيع هذه الاتفاقية، وتعتبر هذا التوجه خرقاً لاتفاق «الصخيرات».
كانت تأمل اليونان أن ترفع هذه القضية الخلافية إلى مجلس دول الناتو الذي انعقد في لندن الأسبوع الماضي، إلّا أن المحاولات لردع تركيا باءت بالفشل، ولم تحاول الدول المجتمعة الضغط على تركيا بهذا الخصوص، وما أن انتهى الاجتماع، حتى أعلنت تركيا أنها ستباشر بعمليات التنقيب عن الغاز في وقت قريب.
قفزة في الهواء
لدى الأطراف التي وقعت على مذكرة التفاهم هذه، أسبابها الخاصة، فإذا كانت حكومة الوفاق ترى في هذا الاتفاق فرصة للحصول على دعم عسكري تركي أكبر لتعديل ميزان القوى في الداخل الليبي لصالحها في مواجهة خليفة حفتر، وترى أنَّ هذا الاتفاق يعطيها مساحة إستراتيجية من جهة البحر تمكنها من المناورة. تبدو الاتفاقية بالنسبة لتركيا شديدة الأهمية، فمن جهة لا تملك تركيا إلا 20كم كحدود على البحر الأبيض المتوسط، وهذا يشكل عائقاً أمام تركيا التي تطمح للعب دورٍ أكبر في المنطقة، وهو لا يتناسب أصلاً مع وزنها الحالي، وتضمن هذه الاتفاقية بالنسبة لتركيا ممراً عريضاً يصل إلى وسط المتوسط، ويعطيها الحق باستثمار الموارد النفطية في المنطقة والتي تستورد تركيا معظم احتياجاتها منها، وإذا ما استطاعت الحصول على هذه الموارد سيشكل هذا الأمر دافعاً جدِّياً للاقتصاد التركي. هذا بالإضافة إلى منافسة قائمة على مشاريع إعادة الإعمار بين تركيا واليونان في ليبيا.
يبقى نجاح «الخطط الطموحة» لتركيا مرهوناً بعدد كبير من المتغيرات التي لا يمكن أن نجزم بثباتها في المستقبل، فهذا السلوك التركي يستفز دولاً كثيرة في المنطقة، ويقفز فوق الأزمات الممتدة على سواحل المتوسط، ويستند فوق كل هذا على أحد الأطراف الليبية المتنازعة فيما بينها، والواقعة تحت حصارٍ من قوات حفتر منذ أكثر من 7 أشهر.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 943