قمّتان في هانوي:  كورية- أمريكية و«أمريكية- أمريكية؟»
يزن بوظو يزن بوظو

قمّتان في هانوي: كورية- أمريكية و«أمريكية- أمريكية؟»

يبدو في الظاهر أن حل المسألة ما بين كوريا الديمقراطية والولايات المتحدة الأمريكية يتعلق بطبيعة الاتفاقيات والتنازلات التي قد تقدّمها الواحدة للأخرى، وكأن القضية عالقة بين هذين الطرفين، بينما حقيقة الأمر أن مشكلة التقارب اليوم وفي هذه الظروف هي: ما بين التيارين المختلفين ضمن الإدارة الأمريكية المنقسمة ذاتها.

جرت قبيل انطلاق القمّة التي جمعت الرئيسين الأمريكي «دونالد ترامب»، والكوري «كيم جونغ اون»، في مدينة «هانوي» في «فيتنام» يومي 27 و28 من شهر شباط، حملتان إعلاميتان، إحداها: تهاجم القمة وتنعيها وتنعي معها الولايات المتحدة قبل حدوثها، والأخرى: تصوّر القمّة وكأنها عرسٌ يجري به تتويج علاقة أخوّة أمريكية-كورية سينتج عنها إعلاناً بحلّ الخلافات بالجملة. وترامب من جهته كان على طول الخط «يتغزّل» بالرئيس الكوري عبر الـ«تويتر» وعبر تصريحاته الإعلامية والرسمية. بالإضافة إلى إجراء محادثات عدة بين وفود ومبعوثين خاصين من كلتي الدولتين تحضيراً للقمة الثانية، وكانت غالبية الأخبار الصادرة عنها في محافل الإعلام «إيجابية» ولكن... مجتزئة.
حلول بالجملة ودفعة واحدة؟ ما جرى بحثه في هذه المحادثات السابقة للقمّة، هو مجمل الموضوعات المطروحة دفعة واحدة: «نزع السلاح النووي، اتفاقيات سلام دائمة، رفع العقوبات كلها، وتعاون اقتصادي بين الدولتين»، وقد ظُهّر هذا الأمر إعلامياً بصيغة ورديّة وإيجابية، ولم يبقَ إلا موعد القمّة ليجري تتويجه، ويحتفل العالم بالسلام.... لكن بالحقيقة إن هذا النوع من المحادثات اليوم يفضي إلى عرقلة حل هذه المسألة، ففي ظل الظروف التي تجمع خلافات البلدين، لا يمكن أن يجري التقدم دفعةً واحدة... هكذا دفعة لا تأتي بمنطق «محادثات ومفاوضات»، ربما بغير ظروف كانت لتجري ولكن أيضاً بمنطق آخر تماماً. أما اليوم، ومع سياسيات التوازن الدولي الجديد التي بدأت تطغى على الساحة الدولية، وتحديداً آليات الحلول السياسية التي لا بديل عنها، تكون العرقلة على الشكل السابق: أن تضرب المفاوضات عبر طرحك لجميع المسائل دفعةً واحدة. وهنا يظهر الخلاف داخل الإدارة الأمريكية المنقسمة في التعاطي مع المسألة: ليفرض التيار المناهض لترامب وما يمثّله آلية العرقلة هذه، وليعقد الأخير القمّة على أيّة حال رغم معرفة نتائجها مسبقاً، ليس رغبة بالانخراط بالحلول السياسية، وإنما درءاً لخسارات عدم الانخراط فيها.
أطراف أمريكية يتآمر لعرقلة القمّة
وكما هو متوقع، اختتمت القمة دون التوصل إلى أي اتفاق بين الجانبين، وعزا ترامب السبب بذلك إلى طلب الرئيس الكوري إزالة العقوبات دفعة واحدة بمقابل إزالة الأسلحة النووية في مدينة «يونبون» فقط. وعزا الجانب الكوري السبب بذلك إلى طلب الرئيس الأمريكي إزالة كل الأسلحة والمفاعلات النووية دفعة واحدة بمقابل رفع جزئي من العقوبات. إلّا أنّ الرئيسين أشادا بالقمّة، وأكد ترامب على أن علاقات البلدين لا تزال قوية وأن المفاوضات ستستمر. ليبدو جلياً في المحصلة أن هذه القمّة برمّتها لم تجرِ بغاية المفاوضات فقط، بل وللردّ على أحد الأطراف ضمن الإدارة الأمريكية المنقسمة، فقد سبق موعد القمّة انتقادٌ من وكالة الأنباء المركزية في كوريا الديمقراطية لأطراف أمريكية وآخرين من خارجها: بأنهم «يتآمرون لعرقلة» القمّة الثانية، واتهمت الوكالة إدارة ترامب بالإصغاء لـ «معارضي الحوار». بيد أن هذا لا يعني حُسن نية الطرف الآخر اتجاه كوريا الديمقراطية وإنما استخدم القمّة كورقة ضغط ومواجهة مع معارضيه فقط.
معركة واشنطن مع الوقت إن هذا الأمر كله لا يلغي موضوع المفاوضات بحد ذاته، حيث أنها ستستمر والطرفان مجبران بالضرورة لذلك، إلّا أن هدر الوقت ليس من مصلحة واشنطن تحديداً، فكوريا الديمقراطية تسعى لرفع العقوبات الاقتصادية عنها، ولاستمرار التقارب مع كوريا الجنوبية بدفعٍ من الصينيين... بينما الولايات المتحدة تسعى لنزع السلاح النووي من كوريا الديمقراطية وحدها قدر المستطاع ضمن المواجهة مع الصين بالدرجة الأولى، ولتدخل ضمن عملية السلام الجارية بين الكوريتين بألّا تترك الساحة للصينيين وحدهم هناك بالحد الأدنى، وأن تعرقل هذا التطور بالحد الأقصى... إلّا أنّ مسألة الوقت تُضعف موقف واشنطن يوماً بعد آخر، فمع مجمل التغيّرات الدولية والإقليمية بالمعنى الاقتصادي والتجاري، ومع اقتراب انهيار الدولار كعملة عالمية وحيدة ومعياراً للتبادلات التجارية وغيرها من التحوّلات المقبلة، تصبح قيمة العقوبات جميعها وأينما كانت تساوي الصفر، وبالتالي، ستخسر الولايات المتحدة لاحقاً ما كانت قد تكسبه اليوم.
نصيحة صغيرة في النهاية، إن هذه القمّة قد شكّلت خسارة لواشنطن بحكم صراعها مع الزمن قبل أيّ شيء آخر، وأضافت لبيونغ يانغ نقطة تقوّي موقفها أكثر، وكما حاول من بعيد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف تقدمة نصيحة لواشنطن قبيل عقد القمّة بأن «ترفع الأمم المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية جزءاً من العقوبات كبادرة حُسن نية»، فإن واشنطن ستضطر في الأيام المقبلة إلى رفعها بفعل الضرورة لا النيّة، وقد اتخذت خطوة بذلك بعد القمّة بوقف المناورات العسكرية الدورية المشتركة بينها وبين «سيئول»، بينما ستصبح مسألة «بادرة حُسن النية» عند كوريا الجنوبية اتجاه استمرار عمليات السلام بين البلدين، أو تقع بنفس خطأ حليفتها.

معلومات إضافية

العدد رقم:
903