مؤتمر وارسو ومسرحية «التطبيع»
جرى في يومي 13 و14 من الشهر الجاري اجتماع «مؤتمر وارسو» في بولندا الذي أعلن عنه وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو في الشهر الماضي بعنوان «التعامل مع مسألة نفوذ إيران المزعزع للاستقرار» ليتكلله الفشل جملةً وتفصيلاً.
منذ إعلان بومبيو عن الاجتماع وحتى انعقاده، قاطعت كلاً من روسيا وتركيا وسورية ولبنان وفلسطين، وإيران بطبيعة الحال، حضور الاجتماع، الذي وُصف أخيراً بـ «اجتماع وزاري حول بناء السلام والأمن في الشرق الأوسط» بغياب دول هذا الشرق الأوسط، وسط تمثيل ذي حد أدنى ممن شاركوا، باستثناء الولايات المتحدة ومن حالفها ووافقها بخطط الضغط على إيران والتدخل في شؤونها بذرائع مختلفة، لينتهي عملياً دون بيان ختامي يحتوي الغرض الذي أُعد الاجتماع من أجله، وهو «بحث مسألة إيران» بسبب الاختلافات حول هذا الموضوع بين أمريكا ودول الاتحاد الأوروبي بشكل أساسي.
جزء من ردود الفعل
انتقد فاسيلي نيبينزيا، المندوب الروسي الدائم لدى الأمم المتحدة مؤتمر وارسو واصفاً إياه بأنه «اجتماع ضد إيران» معتبراً أن «تشكيل تحالفات ضد أيِّ طرف أو أية دولة... وضد إيران في هذه الحالة لن يُسهم في حل المشاكل المتعددة التي يواجهها الشرق الأوسط». وأكدت الخارجية الإيرانية أن البيان الختامي «أثبت فشل المؤتمر وخيبته»، وقال المتحدث باسم الخارجية الإيراني: «لا يمكن لأي مؤتمر تحت عنوان الأمن والسلام في الشرق الأوسط أن ينجح دون مشاركة اللاعبين الأساسيين في المنطقة كإيران وتركيا والعراق وسورية ولبنان وفلسطين، ودون حضور دول هامة كروسيا والصين».
هزيمة أمريكية جديدة
من الناحية العملية فإن مؤتمر وارسو قيمته صفرْ، نسبةً للغاية التي عقد من أجلها وهي إيران، وفشل هذه الغاية الأمريكية على الصعيد السياسي يُعد خسارة جديدة تُسجّل على واشنطن، وقد ظهر من جديد خلال الاجتماع تناقض الرؤية الأوروبية مع الأمريكية حول العلاقة مع إيران، والتي هي واحدة من عدة مواضع خلافات أوروبية- أمريكية لا تلبث أن تتعمق وتزداد حدّة على الدوام، فقد اتهم نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس كلاً من بريطانيا وفرنسا وألمانيا بـ «خرق العقوبات الأمريكية ضد النظام الإيراني» وانتقد بحدّة إنشاء الدول الأوروبية آلية مالية جديدة لمواصلة التجارة مع طهران دون التعرض للعقوبات الأمريكية، قائلاً: إن هذه الخطوة «ستعزز إيران وستضعف الاتحاد وستزيد الفارق بين أوروبا وأمريكا».
استكمال بروباغندا استبدال العدوّ
ما ينبغي الإشارة اليه في المؤتمر بمجرياته، هو ترويج دعايات «التطبيع العربي الإسرائيلي» بوصفه قد بات أمراً واقعاً من قبل أنظمة دول الخليج العربي المتواطئة منذ وقت طويل مع العدو الصهيوني بشكل غير رسمي ومستتر ومفضوح كالسعودية وقطر والإمارات، فقد جرى لأول مرة أن يحضر وزراء خارجية عرب بشكل رسمي ومُعلن مؤتمراً أو اجتماعاً به تمثيل من قبل كيان العدو، دون أي تعليق عن ذلك بشكل وقح لكن غير مستغرب، ناهيك عن غض النظر تماماً في أثناء الاجتماع المعني بالـ«شرق الأوسط» عن الحديث فيما يخص القضية الفلسطينية، وتوجيه كُل السهام، ومحاولة رسم كل الأخطار باتجاه إيران بشكل ظهر عمداً على أنها صيغة «توافق غير مباشر» بين هذه الأنظمة العربية و«إسرائيل» وكأنها تعبر عن مصالح «منفردة»... استكمالاً لنهج الكيان الصهيوني مع مُطبعيه من العرب، والأمريكي خلفهم، في محاولة شيطنة الدور الإيراني على حساب العداء للكيان أمام شعوب المنطقة كلها، بما فيها تلك الواقعة ظُلماً تحت حكم هكذا أنظمة.
الكيان داخل في مرحلة العد التنازلي لاستمرار وجوده
بالنتيجة، إن المؤتمر لم يكن أكثر من عرضٍ تلفزيوني عنوانه الأبرز «التطبيع» من قبل حفنة أنظمة قطعت أشواطاً أبعد بكثير من ذلك قبل هذا الاجتماع أساساً، وكل محاولات إعطاء هذا الأمر وزناً أكبر من الصفر من قبل كيان العدو أو حليفه الأمريكي لا تعني شيئاً لا حالياً ولا إستراتيجياً، فمسألة استمرار وجود هذا الكيان برمّته اليوم، في ظل تغيرات موازين القوى الدولية والتراجع الأمريكي، قد أصبح موضوع بحثٍ ساخن، سيجري دفعه للحد الأقصى مباشرة مع أو بعد إنجاز الحل السياسي في سورية من قبل السوريين والفلسطينيين وثلاثي آستانا أنفسهم، الذين يثبتون أنفسهم يوماً بعد آخر كمنظومة إقليمية جديدة تفرض نفسها وإمكانيتها باتجاه حل مختلف قضايا الشرق الأوسط، برؤى وسياسات تعاكس المصلحة الأمريكية تماماً.