حكومة لبنان «الحريرية».. سليمان «يكلف» وبترايوس «يؤلف»!
وسط معطيات «تدويل» و«تداول» مسألة تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة، بعدما كلف الرئيس اللبناني ميشيل سليمان سعد الحريري بذلك، برزت خلال الأسبوع الماضي سلسلة اتصالات وزيارات من أكثر من عاصمة إقليمية ودولية باتجاه مثيلاتها (الرياض، دمشق، باريس، بيروت، واشنطن)،
ولكن اللافت فيها هو أن الأخيرة تعمدت إعطاء زخمها في الموضوع طابعاً عسكرياً بحتاً، عندما أوفدت له قائد القيادة الوسطى في الجيش الأمريكي الجنرال دايفيد بترايوس الذي زار على التوالي رئيس الجمهورية اللبنانية، ميشيل سليمان، ورئيس الحكومة المكلف، الحريري الابن، ورئيس حكومة تصريف الأعمال، (بطل لبنان والمنطقة في «البكاء السياسي»)، فؤاد السنيورة، ووزير الدفاع، إلياس المر، وقائد الجيش اللبناني، جان قهوجي.
بترايوس الذي حضر ببذته العسكرية البهية إلى بيروت لتقوية صفوف 14 آذار، أشاد بالطبع بالديمقراطية اللبنانية وبنزاهة الانتخابات البرلمانية الأخيرة، ووضع على رأس جدول اهتماماته «ضرورة تأليف حكومة الحريري بأسرع وقت ممكن»، قافزاً فوق «اللازمة الغنائية» التي اعتادت الطبقة السياسية اللبنانية على تكرارها «الوفاق الوطني»، وكذلك فوق مطلب «الثلث الضامن/المعطل» وما قد يستلزمه هذا البحث من زمن، في وقت لم تتمكن فيه هذه الطبقة من حسم خيارات الصيغ المطروحة حتى ساعته لتركيبة الحكومة عدداً وتوزيعاً (16-10-4 التي طرحها الحريري، أو 13-10-7 أو 15-10-5 اللتين لا يعارضهما سليمان)!
وبينما قرن بترايوس بين عامل الوقت المتسارع، وتجديد الوعود الأمريكية حول «التزام واشنطن بتدريب الجيش اللبناني وتسليحه»، برزت بين السطور معالم التدخل الأمريكي المباشر، بقوة «البسطار العسكري»، في صياغة البيان الوزاري للحكومة المرتقبة، ولاسيما وضع الأطر والسياقات لأي بحث لبناني داخلي جدي لمسألة «الإستراتيجية الدفاعية» و«سلاح المقاومة»، في وقت تولى فيه المبعوث الأمريكي جيفري فيلمتان التأكيد أن «سلاح حزب الله يشكل خطراً على لبنان والمنطقة».
على خط مواز توجهت الرياض إلى دمشق، ليس لتنقية الأجواء وإعلان أي اعتذار عن أي من الإساءات السابقة، وإنما لتتبنى بشكل مباشر الخط الأمريكي، مكررة مطالب واشنطن بترسيم الحدود السورية اللبنانية، وحسم «تابعية» مزارع شبعا وحدودها، وحسم قضية السلاح الفلسطيني في لبنان! وواضح أن الاتجاه في ذلك ليس طلب مساعدة سورية، وإنما محاولة تحميلها مسؤولية بقاء هذه الملفات، وكأن القضية لا علاقة لإسرائيل بها، مع الإيحاء بأن دمشق تعرقل ولادة الحكومة الحريرية لأنها لا تريد «الضغط» على حلفائها في لبنان للمساعدة في ذلك، (وكأن ذلك وارد في الحسابات السياسية المباشرة ضمن علاقة الطرفين)، مقابل إيحاء مخادع آخر مفاده أن السعودية «تنتصر» للتضامن العربي وهي الآن تلعب دور «الوسيط» في ترميم العلاقات السورية- اللبنانية (فريق 14 آذار)!
والرياض كذلك تتوسط في ترميم العلاقات السورية-المصرية، وهو ما تمت الإشارة إليه في قمة شرم الشيخ التي جمعت العاهلين السعودي والبحريني بالرئيس مبارك، ولكن لكي تبحث بشكل رئيسي حسبما هو معلن «تطورات الأوضاع على الساحة العربية وخاصة ما يتعلق بالقضية الفلسطينية، مع التركيز على الوفاق الفلسطيني والحوار بين الفصائل الفلسطينية الذي ترعاه مصر» أي بشكل ضمني، تنسيق المواقف لترويج محاولات القاهرة «التكيف الانبطاحي» مع «لاءات» نتنياهو، في وقت كانت تستكمل فيه في واشنطن معالم «الخديعة الكبرى» حول خلافات أوباما- نتنياهو بخصوص «الاستيطان» وتقديم باراك نفسه كوسيط بين الطرفين، بعدما أصبح الاستيطان هو السقف الجديد للقضية.
ولأن «حبل» أوباما على «جرار» بوش، دون أي تغير حقيقي في الاتجاهات العامة سوى بحجم التضليل، فقد جاءت تصريحات الساكن «الأسمر» للبيت «الأبيض» محذرة الشعب العراقي من «أيام عصيبة» بما يعني إعطاء التسويغ المسبق لإراقة المزيد من دمائهم، وهو ما عاد إلى الواجهة من خلال تكاثف عمليات التفجير استهدافاً للمدنيين، في وقت تعمد فيه واشنطن إلى إخلاء مسؤوليتها إعلامياً عن ذلك كونها التزمت بـ«مصداقيتها الأخلاقية» بخصوص الانسحاب من مراكز المدن العراقية، باتجاه القواعد العسكرية في محيطها، لتقف في موقع المحرض/ الممول/ المشرف المتفرج على ما يجري في أرض الرافدين والمنطقة، في وقت تتكبد فيه واشنطن خسائر متلاحقة في صفوف جنود احتلالها في العراق وحتى في أفغانستان.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 411