أمريكا دولة بوليسية في عهد بوش
من ينظر إلى تصرفات الرئيس بوش مؤخراً يتأكد أن الرئيس لم يتمعن جيداً في نتائج انتخابات منتصف الفترة للكونغرس التي جرت في نوفمبر بل لا يزال يعيش تلك الأجواء التي سادت في عام 2002.
في ذلك العام استخدم البيت الأبيض الخوف من الإرهاب لبث الرعب في نفوس الناخبين الأمريكيين مما ساهم في فرض هيمنة الجمهوريين على الكونغرس. بعدها عمد بوش ونائبه ديك تشيني إلى توسيع السلطات الرئاسية إلى درجة ألحقت الضرر بالنظام الدستوري وبالتوازنات القائمة بين السلطات.
في عام 2006 أرسل الناخبون الأمريكيون رسالة قوية وواضحة لبوش مفادها انه قد حان الوقت ليكبح طموحاته الإمبراطورية. ومع ذلك لم نتلق حتى يومنا هذا أية إشارة تدل على أن بوش وعى تلك الرسالة. فبوش مايزال متمسكاً بفنتازيا تحقيق النصر في العراق ومايزال مستمراً في شن الهجمات على الحريات المدنية والنظام القضائي في أمريكا.
قبل عطلة عيد الميلاد أعلن الرئيس الجديد للجنة القضائية في الكونغرس السيناتور بتريك ليهي انه سيستمر في دفع الكونغرس نحو إجراء تحقيقات في المعاملة اللاإنسانية وغير الدستورية، التي يلقاها المعتقلون على ذمة قضايا الإرهاب. وقد رفضت حتى الآن وزارة العدل تسليم السيناتور بعض الوثائق التي تشير إلى تخويل بوش للسي.آي.ايه إقامة سجون سرية لا تطالها المحاكم الأمريكية أو المعاهدات الدولية، إضافة إلى وثائق أخرى تتعلق باستخدام وسائل وحشية في التحقيق مع السجناء.
في الشهر الماضي أصدر الرئيس بوش أحد فرماناته الرئاسية التي إن دلت على شيء فإنها تدل على عدم احترامه للقانون. هذه المرة طال هذا الاحتقار قانون الخدمات البريدية. فالرئيس لا يؤمن انه يتوجب على الحكومة الحصول على أمر من المحكمة لفتح الرسائل والطرود المرسلة في الدرجة الأولى في البريد الأمريكي. ويرى الرئيس أن للحكومة الحق في تفتيش البريد «إذا كانت هناك حاجة لذلك» ليس من أجل حماية الأرواح فقط بل من اجل جمع معلومات استخباراتية. القانون الأمريكي واضح في هذا الشأن حيث يتطلب الحصول على إذن من المحكمة لفتح البريد وما عدا ذلك يمثل خرقاً سافراً لهذا القانون.
الأخبار الواردة من هنا وهناك ماتزال تذكرنا بالحالة المزرية للسجون التابعة للدولة التي تؤوي بعض المتهمين بالإرهاب حيث لا تحترم في هذه السجون الحياة البشرية أو حقوق المعتقلين.
تحدثت صحيفة «نيويورك تايمز» مؤخراً عن القضية الجنائية التي رفعتها الإدارة الأمريكية ضد خوزيه باديلا الذي كان متهماً بالتآمر لتفجير «قنبلة قذرة» نووية في الأراضي الأمريكية. تم الاحتفاظ بباديلا في السجن لمدة عامين دون تهم ودون السماح له بالاتصال بمحام. ومن أجل تجنب رفع قضية إلى المحكمة العليا أسقطت إدارة بوش التهم الموجهة إليه ووجهت له تهمة جديدة هي تقديم الدعم المالي للإرهابيين.
ما كادت الحكومة تسقط التهم ضد باديلا حتى سارعت بتوجيه نفس التهم إلى رجل أثيوبي المولد اسمه بنيام محمد وهو ليس مواطناً أمريكيا على عكس باديلا مما مكن الإدارة الأمريكية من إلقائه في غوانتانامو حيث صنف على انه «عدو مقاتل».
تعرض محمد لممارسة أخرى شنيعة وهي تعريضه لسياسة التعذيب المنظم حيث يختطف أجانب من شوارع مدنهم ويشحنون بصورة سرية إلى دول لا تعطي أي وزن أو قيمة للقانون حيث يخضعون للتعذيب لصالح الحكومة الأمريكية. وذكر محمد انه تعرض للتعذيب في المغرب إلى أن اجبر في النهاية على التوقيع على اعتراف «يقر» فيه بالتآمر مع باديلا.
إن هناك مسؤولية أخلاقية تقع على كاهل الغالبية «الديمقراطية» تتمثل في معالجة جميع هذه القضايا. فلابد من معالجة جميع أنواع القصور في المحاكم العسكرية واستعادة حكم القانون واستعادة التوازن بين السلطات وخاصة ما بين الكونغرس والسلطة التنفيذية. «الديمقراطيون» يقولون إن هذه القضايا تتمتع بالأولوية بالنسبة لهم. إن معالجة هذه القضايا أمر حيوي للغاية (..) لقد آن الأوان لكي يصلح «الديمقراطيون» ما أفسده الجمهوريون.