مصر: التظاهرات الطلابية.. مقدمات التغيير الشامل
طلاب مصر غاضبون. الغضب بدأ يتسع كمياً وكيفياً. كانت الحركة الطلابية قد تم إخمادها لزمن طويل سوى من بعض تحركات كانت محدودة في المكان والزمان طوال العقود الماضية، وتحديداً منذ زمن انتفاضة يناير 1977. ولكنها هذه المرة أوسع، والكامن وراءها- يتفاوت بين هذا الموقع وذاك – أسباباً اجتماعية وسياسية وطنية وديمقراطية.
ولم تعد تقتصر مواضيعها الرئيسية على لوائح الاتحادات الطلابية أو انتخابها أو مظاهرات التيار الإسلامي، أو تظاهرات وتحركات سرعان ما تشتعل ثم تخبو سريعاً مثلما كان يحدث غضباَ أو تضامناَ من أجل أو مع شعوب شقيقة ضد العدوان الصهيوني الإمبريالي (العراق وفلسطين ولبنان)، هذه المرة المظاهرات تعكس لحد كبير الأزمة الشاملة في المجتمع.
يوم الطلاب العالمي الذي يحتفل به كل طلاب العالم هو أساساً يوم مصري، حيث اشتعلت الحركة الجماهيرية الشعبية في عام 1946 والتي كان عمادها وطليعتها لجنة العمال والطلبة. وفي مظاهرة خرجت من جامعة القاهرة بالجيزه بإتجاه كوبري عباس (كوبري الجيزة حالياً) على نهر النيل لعبوره إلى كليات الطب والصيدلة على ضفة نيل القاهرة الأخرى، قامت الشرطة بفتح الكوبري وأطلقت الرصاص على الطلاب وسقط شهداء وجرحى وأصبحت ذكرى هذا اليوم عيداً يحتفل به طلاب العالم كل عام.
وكانت تحركات الأربعينيات من القرن الماضي أحد مكونات الحالة الموضوعية التي هيأت لثورة يوليو 1952، بكل تأثيراتها مصرياً وعربياً وعلى مستوى حركة التحرر الوطني العالمية. لذلك فإن السادات الذي شاهد وعاش فتره هامة من هذه المرحلة، والذي شرع بعد انفراده بالسلطة عقب انقلاب مايو 1971 في كنس مشروع جمال عبد الناصر، والاستدارة الكاملة صوب الولايات المتحدة، فإنه أدرك أن اشتعال المظاهرات والتحركات الطلابية منذ عام 1972 لابد أن يسير صوب التوجه مع الحركة العمالية (التي كانت قد تصاعدت بفعل الشروع في سياساته). ولذلك فقد شرع منذ وقت مبكر (وبعد الإفراج عن كوادر الإخوان المسلمين) في تأسيس جماعات إسلامية في الجامعات قام بتسليحها بالأسلحة البيضاء والكرابيج والسلاسل الحديدية وأمدها بالمال وأطلقها في مواجهة الحركة الطلابية التي كان يقودها الطلاب الشيوعيون والناصريون.
غير أن ذلك لم يمنع من بلوغ النضال العمالي الطلابي إحدى ذراه أوائل يناير 1975، حيث تمت مواجهته بعملية قمع واعتقالات واسعة، ووصلت الحركة العمالية والطلابية إلى ذروة أخرى في انتفاضة يناير1977 التي ووجهت بأقصى درجة من القمع، ولم تصل إلى غايتها لغياب قيادة قادرة على إدارة الصراع في المجتمع وجمع شتات هذه الحركة الهائلة والاستمرار بها، ولكن هاهى تعود من جديد وتتصاعد التحركات العمالية والطلابية، مصحوبة بتحركات فلاحية وفئات اجتماعية مختلفة (الصحفيين والقضاة وأساتذة الجامعات والمدرسين وغيرهم).
الأسبوع الماضي اشتعلت الحركة الطلابية بشكل متزامن في العديد من الجامعات في مواجهة السياسات الاجتماعية التي تلغي بأشكال مختلفة مجانية التعليم واقعياً، سواء بزيادة المصروفات الجامعية ومصروفات المدن الجامعية، أو بإقامة نظم تعليمية (إلى جوار مايسمى بالجامعات الخاصة المصرية والأجنبية بمصاريفها الباهظة للغاية) حيث تتأسس فروع لما يسمى التعليم المتطور داخل كليات الجامعات الحكومية مقابل مصاريف باهظة بمخالفة القوانين والدستور) يتمتع بها الأغنياء والقادرون وحدهم. وهو ماخلق حالة من الاحتقان الشديد.
في جامعة عين شمس هبت المظاهرات احتجاجاً مع زيادة المصروفات التي تضاعفت هذا العام بمقدار 400% وفي جامعة جنوب الوادي أضربت 500 طالبة عن الطعام و تظاهر 3000 احتجاجاً على زيادة مصروفات المدينة الجامعية من 60 جنيهاً إلى 100 جنيه. وحتى في الجامعة الأمريكية بالقاهرة اعترض 50 طالباً احتجاجاً على استبعاد إدارة الجامعة لهم من مناقشة موقف الجامعة من استضافة أساتذة إسرائيليين في مؤتمرات الجامعة، ورفع الطلبة شعار (ليس في جامعتنا).
كما تقدم عدد من أساتذة جامعة القاهرة بمذكرة لرئيسها مطالبين برحيل الحرس الجامعي، في حين أن احتجاجات الطلاب من الإخوان المسلمين قد اقتصرت على المطالبة بالإفراج عن زملائهم المعتقلين.
الجديد في هذه الصورة هو التنوع الذي تشهده التحركات الطلابية (نضالات اجتماعية واقتصادية ووطنية وديمقراطية) وهو ما يعكس عمق الأزمة. إن هذه الحالة بصورتها الراهنة التي يتصاعد فيها النضال العمالي والطلابي والفلاحي ومعه نضالات فئات اجتماعية هامة أخرى، بهذا القدر من التنوع، إنما يعني وبشكل واضح ومباشر أن البلاد على مشارف تطورات وتغيرات عميقة، خصوصاً إذا ما وضعنا في الاعتبار الظروف التي تمر بها المنطقة، ودور مخططات العدو الصهيوأمريكي بدفع بالحركة الجماهيرية الصاعدة إلى أتون الصراع الأشمل والأوسع.
إن صعود النضال الجماهيري الشعبي لن توقفه وعود رموز السلطة بالإصلاح الاجتماعي، والجماهير بحاجة فقط إلى تبلور قيادة. وربما تكون تفاعلات الواقع قادرة على ذلك بأسرع مما نتوقع. فالمخاض سوف يحدث وإن كان عسيراً. وهذه هي مقدماته.