«فيتو دونيتسك».. والتوازن الجديد
لم يُدرك باكراً المغزى من استخدام روسيا لحق النقض «الفيتو» في مجلس الأمن الأسبوع الماضي في وجه قرار إنشاء محكمة دولية مختصة بقضية الطائرة الماليزية. حيث أثار الخبر استفهامات عديدة حول أهمية هذه القضية وما خلفته من نتائج، ولاسيما مع الرصيد الموجود لدى المحاكم الدولية وخضوعها للتسييس والتجاذبات السياسية أكثر منها للمنطق الجنائي والقضائي.
منذ بدء العمل على استصدار قرار دولي بإنشاء محكمة دولية تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، لمحاسبة المسؤولين عن سقوط الطائرة الماليزية شرقي الأراضي الأوكرانية، أبدت روسيا اعتراضاً واسعاً على ذلك، مؤيدة في الوقت ذاته، إجراء تحقيق مستقل يبحث في أسباب تحطم الطائرة.
وبالعودة إلى الحيثيات الأولى للقضية، نجد أنها تزامنت مع بدء مساعي «رباعية النورماندي» للحل السياسي في أوكرانيا. وفي حينه، وضع كثيرون الحادثة في سياق محاولات واشنطن- التي لم تكن راضية عن الحل السياسي- لتأجيج العنف في أوكرانيا ولفتح ثغرة تمكنها من الحفاظ على مستوى عالٍ من التدخل في الخاصرة الروسية. أما الطريق لذلك، فتجسد في قضية جنائية تشرع الباب أمام تدخل عسكري تحت الفصل السابع.
إن استخدام روسيا لحق النقض في هذه القضية يشير إلى نتيجتين هامتين: الأولى، هي التأكيد على تقدم المحور الذي تمثله روسيا عالمياً، والذي يعبِّر عن وزنه المتزايد كلما سنحت الفرصة لذلك، أما الثانية: فهي اضطرار واشنطن، بحكم تراجعها المتسارع، للجوء إلى تلك الأساليب غير المباشرة لتمرير مخططاتها، خلافاً لما كان سائداً طوال فترة سيادتها على العالم.
خلال الأعوام العشرين الأخيرة، على الأقل، مرَّرت واشنطن الكثير من القرارات الدولية التي لم يكن مرحباً بها روسياً، ومع ذلك، لم تستطع روسيا ولا حلفائها استخدام حق النقض، نظراً للموازين الدولية التي كانت تؤكد سيادة الولايات المتحدة على العالم، أما اليوم، فقد اختلف ميزان القوى جدياً لغير الكفة الأمريكية، وهو ما يجب إدراكه جيداً.
إن كثرة المؤشرات على التراجع الأمريكي والتقدم الآخر، قد أجهزت كلياً على المنطق الرافض للاعتراف بتغير العالم، حيث بات ممكناً اليوم القول: «لم يعد هناك من لم يقتنع بالتراجع الأمريكي وبتغيير العالم، هناك من لا يريد أن يعترف بذلك، وحسب»..!