حلف الملوك

حلف الملوك

.. بعد عودته من رحلة العلاج الطويلة في الولايات المتحدة الأمريكية، قام «خادم» الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز الثلاثاء 11 أيار 2011 بأول نشاط سياسي لافت، حين ترأس في الرياض اجتماع قادة دول مجلس التعاون الخليجي والذي أقر بالإجماع قبول انضمام المملكة الأردنية الهاشمية والمملكة المغربية إلى «منظومة المجلس» كأعضاء كاملي العضوية!

د يتساءل البعض: «ما الذي جمع المتعوس على خايب الرجاء»؟ ولكن توقيت الإعلان عن توسيع «حلف الملوك» في وقت تشهد فيه المنطقة العربية تغيرات دراماتيكية في الخارطة السياسية مع بداية تبدل في ميزان القوى ليس في مصلحة الأنظمة الرجعية العربية التابعة، يحمل دلالات جدية هذه أهمها:

1 ـ رغم وجود أكبر وأهم القواعد العسكرية الأمريكية في كل دول الخليج العربي (وخاصةً في السعودية وقطر)، ورغم وجود جيش أمريكي «عرمرم» في العراق، بدأت الدول النفطية العربية تشعر بالذعر من انتقال قطاع التغيرات والحراك الشعبي من على حدودها إلى داخلها، وخصوصاً بعد الذي حدث في البحرين وما يحدث في اليمن، ولا يغير من هذه الحقاق كل ما كدسته الدول العربية النفطية من أسلحة أمريكية وفرنسية وبريطانية تقدر بأكثر من ألف مليار دولار منذ تأسيس مجلس التعاون الخليجي في 25 أيار 1981.

2 ـ وما يزيد من خوف تلك الدول الرجعية أن الولايات المتحدة الموكلة بحمايتها ليس فقط تتخبط في أزمتها الاقتصادية العميقة، بل يتعثر مشروعها الاستعماري في أفغانستان وباكستان والعراق، وتزداد مقاومة شعوب المنطقة والعالم ضد التحالف الإمبريالي- الصهيوني بما في ذلك شعوب البلدان المتطورة.

3 ـ من هنا لم يكن انضمام نظامي الأردن والمغرب خبط عشواء أو رغبة في زيادة عددية لـ«حلف الملوك» الجديد، فمن المعروف كيف أقيم النظام الأردني خارج سياق قيام الدول التاريخي، بل كان نتيجة لاتفاق سايكس- بيكو وبعد وعد بلفور، عشية فرض الانتداب البريطاني على فلسطين وإعادة تشكيل المنطقة جيوسياسياً بعد الحرب العالمية الأولى، وهو نظام قوي عسكرياً وله دور وظيفي بهذا الشأن من حيث الخدمات التي قدمها من أيلول الأسود وحتى الآن. ومن الواضح أن العرش الهاشمي سيكون له دور عسكري تحت الطلب لاحقاً وقريباً ضد شعوب الخليج بعد انضمامه رسمياً إلى منظومة مجلس التعاون.

4 ـ أما النظام المغربي في أقصى الغرب من العالم العربي وعلى شواطئ الأطلسي، فكان على الدوام يلعب دوراً خطيراً لمصلحة الغرب الاستعماري، وكانت تربطه علاقات علنية وسرية بالكيان الصهيوني منذ اغتصاب فلسطين عام 1948. وكانت الجالية اليهودية المغربية هي الأكبر بين اليهود الشرقيين الذين جرى تهجيرهم- بالتواطؤ بين الحركة الصهيونية وملك المغرب- إلى فلسطين المحتلة، كما أن النظام المغربي كان «عراب» اللقاءات السرية على أرض المغرب بين مبعوثي السادات وقيادات إسرائيلية رسمية قبل زيارة السادات بسنوات إلى تل أبيب عام 1977.

إن نظاماً كهذا وبكل تاريخه القمعي ضد شعبه- وخصوصاً الحركة النقابية- ودوره التابع للقوى الاستعمارية وبموقفه الجغرافي، سيمثل امتداداً لسياسات مجلس التعاون الخليجي، يتمول منه ويلعب دوره الوظيفي المطلوب في مواجهة التغيرات التي يشهدها المغرب العربي خصوصاً بعد الذي حدث في تونس والذي يحدث في ليبيا الآن، وكذلك في الجزائر.

5 ـ إن ما حدث في مصر وزوال نظام مبارك أحدث زلزالاً في بنية النظام الرسمي العربي وأفقده توازنه ومصدر قوته الجغرافية والديمقراطية، وفتح آفاقاً جديدة لتغير ميزان القوى على مساحة الشرق الأوسط لمصلحة قوى التحرر الوطني وخيار المقاومة الشاملة ضد التحالف الإمبريالي- الصهيوني والرجعي العربي.

ولعل نجاح مصر في إنجاز المصالحة الفلسطينية- الفلسطينية وإعادة النظر بملف العلاقات المصرية- الإسرائيلية من «بوابة» تصدير الغاز المصري للكيان الصهيوني والأردن، قد سرع في قرار انضمام المغرب والأردن إلى مجلس التعاون الخليجي لأسباب سياسية وعسكرية وأمنية.

لكن قراراً كهذا لن ينقذ أنظمة الدول الرجعية التابعة من مصيرها المحتوم نحو الزوال، لأن خيانتها الوطنية وسياستها الداخلية تجعلها في حالة تناقض وجودي مع شعوبها الطامحة نحو التحرر والكرامة.