«التيبت».. وتاريخ الدم والعبودية(2/2)..

«التيبت».. وتاريخ الدم والعبودية(2/2)..

تستعرض «قاسيون»، في الجزء الثاني من مقالة («التيبت».. وتاريخ الدم والعبودية)، جملة النتائج التي توصل لها الكاتب «مايكل بارنتي»، في مقالته «الإقطاعية المسالمة: خرافة التيبت»..

ظلَّ «التيبت» تابعاً للصين حتى الاحتلال الياباني للصين، وما تبعه من فترة أمراء الحرب والفوضى التي عمَّت البلاد. كانت تلك الفرصة لإعلان «التيبت» مستقلاً عن الحكومة المركزية للصين.
يقسَّم المجتمع التيبيتي إلى كبار الأغنياء وكبار رجال الدين (السلطة الروحية والسياسية للمجتمع)، تحتهم يأتي حكماء الرهبان وقادة الجيش، ويتبعهم مباشرة المزارعون والتجار والحرفيون، وهم التابعون للسلطة العليا كلياً، وبعدهم يأتي خدم المعابد (أو عبيد السخرة) الذين يعملون كل حياتهم في خدمة المعابد وقصور الحكام دون مقابل، حياتهم ملك للـ«دالاي لاما»، وهناك المتسولون والمعدمون، الخزّان البشري الدائم لخدم المعابد والقصور..
في التيبت النظام الإقطاعي هو المسيطر، فالفلاحون يعملون في أراضي الحكام والأغنياء والـ«دالاي لامات»..الخ، لا يملكون شيئاً من نتاجهم. والملاّك غير مسؤولين بشيء عن معيشتهم.. يبرر هذا التقسيم بأن من ولد في عائلة فلاّح، فهو يعاقب على أفعال شائنة ارتكبها في أجيال سابقة، أمَّا من ولد بين الأغنياء أو من بين الـ«لامات» الدينية فهو يكافأ على أفعاله الخيّرية في أجيال سابقة، وهذا دليل روحانيته. طبعاً «الكارما» الخيّرة هي من تكافئ وتعاقب، ولا اعتراض على أحكامها..!
الجيش صغير العدد نسبياً، لكنه محترف وقتالي وعنيف، مهمته حماية مصالح الأخيار المنتقين وفق حكمة الـ«كارما»، وقادة الجيش الذي يورثون مناصبهم يكافؤون أيضاً على إخلاصهم، مثل قائد جيش التيبت الأكبر، والعضو في مجلس حكماء الـ«دالاي لاما»، الذي مات وهو يملك 4000 كيلومتر مربّع من الأراضي الزراعية والمعابد، و3500 خادم ومزارع يعملون لخدمته و«تأمين معيشته المتواضعة»..
الدرك المخلص يحرص جيداً على منع أي تنغيص لحياة السلام والسعادة التي يعيشها أهل التيبت، ولهذا نجد في أدوات الشرطة والحكّام الإقطاعيين سلاسل بمقاسات مختلفة منها للأطفال، أدوات لقطع الأنوف والأذن، أدوات أخرى مختصة بقلع الأعين وكسر الأيدي وقطع الأرجل، وأيضاً السياط وعصي المسامير وأدوات اقتلاع الأحشاء.. هذا كله ما ذكرته الرحّالة «آنا لويس سترونغ»، عمّا رأته في معرض عام 1959.
الأقنان، أو خدَّام المعابد، يدفعون ضريبة عند الزواج، وضريبة عن كل ولادة وعن كل وفاة، وضريبة إذا زرعوا شجرة في قرب بيتهم أو اقتنوا حيواناً لنفسهم. يدفعون ضريبة في كل احتفال ديني وفي كل احتفال شعبي، وهناك ضريبة للرقص في الشوارع وقرع الطبول. الأقنان يدفعون ضريبة عند إرسالهم إلى السجن وعند الإفراج عنهم، ومن لا يجد عملاً عليه دفع ضريبة، ومن يسافر من قرية لأخرى عليه دفع ضريبة سفر، ويمكن للأقنان الاستدانة من المعابد، بفائدة بين الـ20 والـ50 بالمائة، والدَّين يورّث من الأب إلى الابن والحفيد، ومن لايدفع يصبح خادماً في المعبد، أي من عبيد السخرة. اليوم هناك بعض تلك الضرائب ألغيت، لكن بقي العديد منها وفرض الجديد..
يطول الحديث عن «إقطاعية التيبت»، ومآسي الأقنان في ظل حكم الـ«دالاي لاما»، كل هذا طبعاً مغيَّب تماماً عن الضخ الإعلامي الكبير، يومياً، عن التيبت الصوفية  الـ«دالاي لاما». الرجل الروحاني الإنساني المنفي من قصره الصيفي ذي الـ1000 غرفة و14 طابقاً.. ولماذا كل هذا الدعم لـ«قضية استقلال التيبت» من الغرب، وتحديداً أمريكا؟ يمكن لجواب أحد المزارعين الذي تمكَّن من الهرب من سلطة التيبت، ولجأ إلى أوربا مؤخراً، أن يعطي صورة فكرة جيدة عن السبب:
«أرضنا هي الأعلى في العالم، والصين كلها تحتنا، وأراضينا هي خط كبير من حدود الصين، وشعبنا فقير متخلِّف يعيش قبل التاريخ بـ500 سنة، تخيّل لو تسيطر على هذا الشعب، وتقنعه بالهجوم على الدول المجاورة، وأولها الصين والهند، ومعه مدفعية ثقيلة وطائرات.. تخيّل فقط..!».