قانون الحراج مجدداً.. هل سنكون أمام تراجع جديد؟!
يبدو أن وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي، ومن خلفها الحكومة، قد عقدت العزم على تعديل قانون الحراج المعمول به، والصادر في عام 2018، حيث بدأت سلسلة ورشات حوارية بهذا الخصوص.
فهل سيحقق التعديل المزمع الحماية الحقيقية والفاعلة للحراج، أم سيسجل المزيد من التراجع بهذا الشأن، كما كان عليه الحال في القانون الحالي بالمقارنة مع القانون السابق لعام 2007؟!
تراجع سابق لمصلحة المزيد من التعدي
تجدر الإشارة إلى أن قانون الحراج لعام 2018 كان قد سجل تراجعاً ملحوظاً على مستوى حماية الحراج عن قانون عام 2007.
وقد ورد في الأسباب الموجبة للتعديلات التي أقرت على قانون الحراج لعام 2007 في حينه ما يلي: «صدر المرسوم التشريعي رقم 25 لعام 2007 الخاص بالحراج والأراضي الحراجية، وبعد تطبيقه خلال المدة التي تلت صدوره، تبين وجود بعض الثغرات، وقضايا، وأمور أخرى، تستدعي تعديل بعض أحكامه، وإضافة أحكام جديدة إلى ما تضمنه من نصوصٍ وأحكامٍ بهدف الإحاطة بالمستجدات جميعها، بما يساعد ويؤدي إلى حماية الحراج واستثمارها بشكل أفضل».
كما سبق لقاسيون أن أفردت سلسلة من أربعة مواد في عام 2018، تحت عنوان «ملاحظات أولية على قانون الحراج الجديد»، بتاريخ 24/2/2018- 3/3/2021- 10/3/2021- 17/3/2021، فنّدت خلالها على التوالي هذا التراجع بالتفصيل، اعتباراً من التعاريف، مروراً بمظلة الحماية القانونية للحراج، إلى انحسار حدود الحراج وحرمها وحقوق الارتفاق، وليس انتهاءً بتخفيض العقوبات بحال التعدي على الحراج بدلاً من زيادتها!
والنتيجة التي سجلت في حينه على القانون أنه تراجع كبير على مستوى حماية الحراج والغابات بشكل عام، وفسحة وبوابة مشرعة للمزيد من التعدي عليها، ليس بسبب تخفيض العقوبات فقط، بل لوجود الكثير من الثغرات التي تمر من خلالها مصالح المستثمرين والمتنفذين والفاسدين.
ونعيد هنا ما تم ايراده بخاتمة إحدى المواد بتاريخ 17/3/2021: «ربما لا يسعنا إلا أن نقول: لا غرابة مع جملة السياسات الليبرالية المتبعة حكومياً، والتي أثبتت مرة أخرى من خلال قانون الحراج الجديد على أنها غير معنية لا من قريب ولا من بعيد لا بحماية الحراج والغابات، ولا بتطويرها، باعتبارها ثروة وطنية، ولا بالانعكاسات السلبية الكبيرة جراء تقلص رقعتها وانخفاض تأثيرها الإيجابي على الكثير من المستويات تباعاً، وذلك بقدر عنايتها واهتمامها بمصالح كبار المستثمرين والفاسدين والمعتدين وصغارهم».
فهل طرح موضوع قانون الحراج الحالي للتعديل سيصب باتجاه المزيد من التراجع والحماية للغابات والحراج؟
مقدمات التعديل المزمع
بحسب سانا بتاريخ 14/12/2021: «تعقد وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي اعتباراً من يوم الخميس القادم سلسلة من الورشات الحوارية التفاعلية مع الاختصاصيين والعاملين في مجال الحراج بمشاركة المجتمع المحلي والجمعيات الأهلية في مختلف المحافظات بهدف تطوير قانون الحراج».
وبحسب مدير الحراج في وزارة الزراعة أن «الهدف من الورشات إعداد مقترح قانون حراج متطور وعصري يحقق مبادئ الحماية والحفاظ على التنوع الحيوي في الحراج ومنع التعديات وتطبيق مبدأ التشاركية مع المجتمع المحلي».
وأوضح أن «الورشات تتضمن مناقشة الواقع الراهن للحراج في كل محافظة وقانونه الحالي وآليات تطبيق النهج التشاركي وأساليب الإدارة المستدامة للحراج وحمايتها عبر تنمية المجتمع المحلي وإعادة تأهيل الحراج المحروقة لافتاً إلى أن الورشات تقام لمدة يوم في كل محافظة وفي نهاية السلسلة تقام ورشة عمل مركزية لمدة ثلاثة أيام تتم خلالها مناقشة مخرجات ورشات العمل الفرعية التي تمت في المحافظات لتعديل قانون الحراج الحالي وتطويره بناء على كل الملاحظات والاقتراحات».
وخلال ورشة العمل الحوارية التي أقامتها وزارة الزراعة في محافظة اللاذقية، كبداية لسلسلة الورشات المعلن عنها، تحت عنوان: «الإدارة المستدامة للثروة الحراجية من منظور بيئي اجتماعي تشاركي»، أكد مدير الحراج في وزارة الزراعة على «أهمية الثروة الحراجية وضرورة حمايتها بقانون عصري متطور قابل للتنفيذ على أرض الواقع وفق خصوصية كل منطقة ضمن المحافظات السورية»، ولفت إلى «التركيز على مشاركة المجتمع المحلي بإدارة الغابات وحماية الحراج بهدف تحسين العلاقة بين الإنسان والغابة».
ولم يرشح عن ورشة البداية الحوارية ماهية التعديلات المقترحة عل قانون الحراج الحالي، بل جل ما رشح عنها كان عبارات عامة تؤكد على أهمية الحراج وضرورة حمايتها من التعديات، والأهم التركيز على عبارة «التشاركية مع المجتمع الأهلي»، والتي قد تفتح بوابات جهنم على الحراج والغابات!
فمفردة «التشاركية» بالمنظور الحكومي، وبحسب النماذج القانونية والتنفيذية المطبقة، لا علاقة لها بالمجتمع الأهلي ولا بمصالحه، بل بالمستثمرين ومصالحهم فقط لا غير، وهو ما يخشى من تغوّله أكثر مما هو عليه الحال بموجب القانون الحالي بعد التعديلات المزمعة عليه!
فالمقدمات المعلن عنها كمبررات لعملية التعديل الحالي، لا تختلف عن الأسباب الموجبة للتعديلات التي أقرت سابقاً، فهل ستكون النتائج مختلفة؟
أهمية متنازع عليها
أهمية الحراج والغابات لا تقتصر على الجانب السياحي والبيئي فقط، بل تتعداها إلى المستوى الاقتصادي الاجتماعي، وصولاً إلى المستوى العلمي والبحثي والثقافي، بل والتاريخي أيضاً، بمعنى آخر فإن موضوع الحراج والغابات له بعد وطني عام، لذلك فإن ما جرى ويجري من تعديات جائرة عليها بفعل فاعل، أو ما يصيبها من تراجع بسبب المتغيرات الطبيعية، يعتبر كارثياً على كافة المستويات السابقة، وخاصة في ظل استمرار مسلسلات الحرائق السنوية، واستمرار عمليات التحطيب الجائر والتفحيم فيها، وحتى الرعي الجائر أيضاً، والتي تزايدت جميعها وبشكل سافر خلال السنوات الماضية.
فالبعض يرى أهمية الحراج والغابات من منظور الاستثمار والريع فقط لا غير، ولا مانع لدى هؤلاء من تسخير كل ما يلزم لزيادة أرباحهم، حتى لو كان ذلك على حساب المزيد من انحسار الحراج والغابات وتراجع رقعتها، وهو ما يسعون إليه ويعملون من أجله، تارة عبر التعديات غير القانونية، المباشرة وغير المباشرة، وتارة عبر ليّ النصوص القانونية وتسخيرها لمصلحتهم، وأخرى عبر شرعنة التعديات من خلال تعديل النصوص القانونية بما يتناسب مع مصالحهم، باسم الاستثمار والتشاركية وغيرها، وهو ما جرى ويجري عملياً!.. وللحديث تتمة..
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1049