كيف أصبحت شيوعياً؟
ضيفتنا لهذا العدد الرفيقة أميمة أحمد ظاظا من الرفاق بتنظيم (النور).
الرفيقة المحترمة أم بكري نود أن تحدثينا كيف أصبحت شيوعية؟.
أنا من مواليد بلدة يبرود عام 1938، والدي كان يعمل عند (مخلص جمركي)، درست في يبرود حتى الصف التاسع, وفي الصف الثامن تعرفت على الرفيقة خولة حمصي, وعن طريقها بدأت أتعرف على الشيوعية, وأخذت أقرأ بصورة سرية, ولكن بسرور كبير, كل ما كانت تمدني به من نشرات ورسائل, تصدر عن الحزب الشيوعي, وأقامت معي صلة فردية, وهيأت لي هوية حزبية, كما تعرفت على الرفيقتين خديجة النفوري وسلمى مالك - واللافت للنظر حينها أن معظم النساء في منطقة النبك كن من المتابعات للأحداث والأخبار السياسية – وأول ما قرأته من الكتب السياسية, وكانت قليلة في تلك الأيام، البيان الشيوعي وكتاب لينين عن العمال والفلاحين.
وفي يبرود تعرفت أيضا على بنات وأبناء الرفاق ناصر حدة وفريد عقيل, وعلى (فلك) شقيقة الدكتور محمد نعمة، ثم انتقلت أسرتي إلى دمشق حيث سكنا بجادة البكاري في حي الأكراد - ركن الدين, وهناك انتظمت بفرقة حزبية ضمت الرفيقات شيرين وعصام ميرزو، ونائلة الأطرش، وأنا وأختي هالة, وكانت مسؤولة فرقتنا الرفيقة أوديت مرقدة, ثم حلت محلها الرفيقة عصام. وفي عام 1957 خطبني الرفيق إبراهيم بكري، وتم زواجنا في 5 تموز, وقبيل انتهاء العام سافرنا إلى الاتحاد السوفييتي، وفي موسكو التحقت بالمدرسة الحزبية لمدة ثلاث سنوات تابعت خلالها الدروس بمنتهى الجدية والاهتمام, وحصلت في نهايتها على دبلوم (فلسفة واقتصاد وتاريخ) بدرجة جيد, وكنت أصغر الطالبات، وأذكر من الدارسات الرفيقات أسماء الصالح وأسمى فيصل، ومن الدارسين عددا ممن صاروا قياديين في الحزب, والجدير بالذكر أننا لم نكن نعرف أسماء بعضنا الحقيقية، بل الأسماء الرمزية, وأثناء الدراسة كنت أترجم لعدد من الدارسين العراقيين.
بعد العودة إلى دمشق عاودت صلتي بالتنظيم الحزبي، واتصلت بالرفيقة فدوى قوطرش، ثم صرت عضواً في فرعية الحي, ومن ذكريات العهد السري التي تحضرني الآن تلك المشاعر الجياشة التي كانت تملأ جوانحنا عندما كنا نكلف بإيصال الرسائل والتعليمات الخطية فيما بين الرفاق؛ فتفيض قلوبنا بالسعادة عندما ننجز وصول الرسائل رغم المخاطر التي كانت تعترض سبيلنا, وعند الملاحقات كنا نترك بيوتنا ونقيم في بيوت سرية. وفي إحدى المراحل بقيت أقيم مع زوجي في بيت سري لمدة سنة وسبعة أشهر, ومن الأمور الطريفة التي مازالت في الخاطر والقلب تلك اللقاءات السياسية التي نعقدها مع النساء حيث كنا نضع أمامنا على الطاولة كتاب قصة المولد وكمية من السكاكر (الملبس) – تمويها- وإذا ما حصلت أية مداهمة للمكان، فنحن نقرأ المولد!!.
شاركت بكل النشاطات الجماهيرية والاحتفالات التي أقامها الحزب, وبالمظاهرات والاعتصامات, وخلال حرب حزيران عام 1967 وحرب تشرين عام 1973 عملت مع الرفيقات في صفوف الدفاع المدني, وفي المستشفيات وحتى في المعامل إلى جانب رفاقنا الذين عملوا مكان العمال الذين التحقوا بالقوات المسلحة. وفي ميدان الترجمة والنشر قمت بترجمة أكثر من خمس وسبعين قصة عن الروسية، ونشرتها في عدد من الصحف والمجلات منها: تشرين والثورة والفرسان والمرأة العربية وأسامة وصوت المرأة ودراسات اشتراكية. ورغم أنني اجتماعية بطبعي وأحب الالتقاء بالناس ومعايشتهم، إلا أنني كنت أتجنب وأتحاشى أجواء السهرات التي ظهرت بعد أن أصبح للبعض مكانة منعمة مخملية, يسودها النفاق والتملق والتعالي على الرفاق!! ووجهت الكثير من اهتمامي لمسؤولية تربية الأولاد وشؤون البيت، وبخاصة أن زوجي كان منصرفا بكليته لعمله الحزبي ونشاطه النقابي في العديد من المحافظات وفي خارج البلاد, ولقد مررت شأني كشأن غالبية الرفاق والرفيقات منذ بدء الانقسامات بمواقف صعبة، وتعرضت لكثير من التجني والإساءة, وعلى الرغم من أن هذه الانقسامات أدت إلى قيام حواجز وأسوار بين رفاق الحزب الواحد، فإنني لم أقع في التقوقع والانعزال، وظلت صلتي جيدة مع كل (الأطراف), ولابد من التنويه أن زوجي وقد مضى على زواجنا أكثر من خمسين عاما, لم يلزمني في يوم من الأيام بموقف يريده, وترك لي حرية التفكير والتصرف, وكما قالت الرفيقة الراحلة أمينة عارف الجراح معتزة بجدوى حياتها التي عاشتها: «أيامي كانت غنية». واليوم أقولها بكل الثقة والوضوح: لو خيرت من جديد، فلن أختار إلا طريق الحزب الذي جسد قناعتي واختياري الحر. وأقول للرفاق في كل مواقعهم وتنظيماتهم: عودوا إلى حب بعضكم بعضا كما كنتم في السابق, وتابعوا النضال بإخلاص وعزيمة، واستمدوا من الرفاق القدامى روح التفاني والإيثار والعطاء, ويكفينا ما حل بنا من ضعف وتشرذم وانكفاء.. أيها الرفاق إنني متفائلة رغم كل الأخطار والمصاعب بالمستقبل الأفضل, ولا بد أن يوحد الرفاق صفوفهم، ويعيدوا لحزبهم مكانته وسمعته المشرفة ليقوم بأداء دوره المرجو. وفي ختام حديثي يطيب لي أن أقول: بعد عشرين يوما ستطل علينا الذكرى الثالثة والثمانون لتأسيس حزبنا الشيوعي السوري، وكم سيكون سعيداً ورائعاً، بل واجباً أن يكون الاحتفال مشتركاً, وكل عام وأنتم وشعبنا ووطننا بألف خير.