العاملات بالأجرة.. حلول بسيطة لمشكلات عميقة
مع اقتراب المدارس ومواسم المؤونة تجد آلاف الأسر السورية نفسها مضطرة للبحث «بالحيلة والفتيلة» عن أي مصدر رزق متاح، وإن كان يسيراً. وكما أن الحاجة أم الاختراع، فإن الفقر والبطالة هما الأبوان الشرعيان للاستغلال، لذلك تجد كثيرٌ من الأسر السورية في عمل المرأة داخل المنزل حلاً معقولاً يحميها من الاستغلال ويساعدها على توفير مورد دخل بسيط للأسرة.
عاملات في الظل
لا توجد أرقام دقيقة يمكن أن تشير إلى أعداد النساء العاملات في المنازل، سواء في مجال الخياطة أو الصنارة وشك الخرز، أوفي أعمال المؤونة التي تتصدرها منتجات الألبان، كاللبنة والكشك والأجبان بيتية الصنع، إلى جانب الخضراوات المجففة، كالملوخية والبامية وغيرها..
وتشكل هذه الأعمال حلاً معقولاً بالنسبة للنساء اللاتي لا يستطعن مغادرة منازلهن بسبب وجود الأطفال، أو لأسباب اجتماعية، وهي في الوقت نفسه تؤمن مصدر دخل شبه ثابت - وإن كان ضئيلا للغاية- لآلاف الأسر، ولا سيما في المدن.
الحصى.. والجرة
تقضي أم جمال ما يقرب خمس ساعات يومياً في الأعمال المنزلية التي يتيحها موسم المونة، فتفرط البقوليات من بازلاء وفول، وتحفر الباذنجان أو تعد المكدوس وما شابه ذلك، تبعاً لطلبات الزبائن، وذلك لقاء أجر يحدد بالقطعة أو بالكيلو حسب نوع العمل، وتتقاضى وسطياً نحو 500 إلى 1000 ليرة في أحسن الأحوال، ولكن مقارنة بسيطة بين الجهد الذي تبذله والأجر الذي تحصل عليه تشي بوضوح أنه لا يكاد يفيها حقَّها، لكنه كما اعتادت أن تقول «الحصى التي تسند الجرة»
المونة.. والمازوت
وعلى نحو مماثل تعمل أم مصطفى في إعداد المؤونة لتوفر مصدر دخل يسند راتب زوجها المتقاعد، وتقدم لنا قائمة بأسعار المنتجات التي تعدها، فهي تتقاضى على كيلو الباذنجان المعد للمكدوس 600 ليرة، وعلى كيلو الفليفلة الحمراء المجففة والمقطعة 2500 ليرة، أما الملوخية فتبيع الكيلو اليابس بنحو 1800 ليرة، ودبس الرمان بألفي ليرة لليتر الواحد، في حين تحفر الباذنجان بسعر أربع ليرات لكل واحدة، وتوضح أم مصطفى أن عملها هذا وفر لها المبلغ اللازم لشراء مازوت التدفئة في الشتاء الماضي.
قد تحتاجها..
نساء أخريات يمارسن أعمالاً مشابهة، مثل رائدة، الخمسينية التي تجلس منذ الصباح تحيك الثياب للأطفال باستخدام صنارة واحدة وهو ما يسمى «الكروشيه»، وهي تعلّم ابنتها هذه «الصنعة»، على اعتبار أنها مربحة وتحمي البنت من الدخول إلى سوق العمل والتعرض لأشكال الاستغلال، على حد تعبيرها، فرغم أن ابنتها اليوم طالبة معهد، إلا أن الأم تخشى أن لا تجد ابنتها فرصة عمل ملائمة لها عند تخرجها، وبذلك فإن هذه الصنعة قد تعود عليها بالنفع إن ضاقت بها الحال.
آلام لا مفر منها
لا شك أن الأعمال المنزلية اليومية التي تمارسها هذه النساء يومياً وبكثافة في المواسم، تترك آثارها على صحتهن، ويتجلى ذلك في أبسط صوره بما يعايشنه من آلام الرقبة والظهر والمفاصل وما سواها، لكن لسان حالهن يقول «ما جبرك على المر إلا الأمر».
محاولات أهلية..
على نطاق أوسع، وضمن محاولة لتنظيم هذه الشريحة المهمَلة، انتشرت مبادرات أهلية تقوم على سواعد النساء، وتتمثل بتوفير مشاغل يتاح فيها للنساء العمل بشكل جماعي على إعداد المواد الغذائية، كالمربيات والمخللات ودبس الرمان والخل وما سواها، حيث تتولى هذه الجهات نفسها مهمة تسويق وتوزيع منتجات عاملاتها، وهو ما سبق أن قامت به أطراف عدة كالاتحاد النسائي وغيره، وتوفر هذه المنتجات دخلاً لا بأس به بالنسبة لهؤلاء النساء وأسرهن، وهي في الوقت نفسه ترضي ذائقة بعض المستهلكين الذين يثقون بجودة ونكهة المنتج المصنع يدوياً أكثر من المنتجات المعلبة التي توفرها الأسواق.
لولا البطالة
هي سوق تزدهر في البيوت ومن خلال المنظمات، بتوافر شروط أبرزها الحاجة المادية والبيئة المحافظة، والأهم بالطبع البطالة، التي بلغت أرقاماً قياسية في المجتمع السوري بفعل الحرب والسياسات الاقتصادية غير المدروسة، ولا يمكن النظر إلى هذا النوع من العمل إلا باعتباره حلاً مؤقتاً لآلاف الأسر السورية تحت خط الفقر، إلا أن الحلول الحقيقية تتجلى في توفير فرص عمل لائقة ورفع سوية الدخل وهو ما لا يتحقق إلا بسياسات اقتصادية تدعم المشاريع الصغيرة وتحد من سطوة رؤوس الأموال على الاقتصاد المحلي.