المخدرات.. من العبور إلى التوطين
تطالعنا الصحف المحلية بين الحين والآخر عن أخبار ضبط إدارة مكافحة المخدرات، والجهات ذات العلاقة، لكميات من الحبوب المخدرة، أو غيرها من أنواع المخدرات، المعدة للتهريب خارج القطر.
حسب تصريحات وزارة الداخلية وبعض الجهات الأخرى، على وسائل الإعلام المحلية المختلفة، فخلال شهر آب المنصرم وحده تم ضبط:
مئة ألف حبة كبتاغون.
13 كيلو غرام من مادة الحشيش المخدر، و4200 حبة كبتاغون.
65 كيلو غرام من حبوب الكبتاغون.
كميات كبيرة وعائدات بالمليارات
من المؤكد أن هناك ما لم يتم نشره وتداوله رسمياً، ربما بانتظار استكمال التحريات، بالإضافة لما يتم تداوله عبر وسائل الإعلام في الدول المجاورة عن ضبط كميات من المخدرات، والتي يشار فيها إلى عبورها من داخل الأراضي السورية عن طريق المهربين.
وإذا كانت الأرقام أعلاه هي الحصيلة الرسمية لشهر واحد على مستوى المضبوط تهريباً فقط، فإن إجمالي الرقم السنوي، سواء المضبوط أو الذي استطاع العبور، يعتبر كبيراً جداً على مستوى الكميات، وبالتالي فإن القيمة التقديرية لهذه التجارة تتجاوز المليارات من الدولارات سنوياً، وهي كلها عائدات لتجارة وصناعة سوداء، يستفيد منها وتتقاسمها شبكة واسعة من العاملين بها، محلياً وإقليمياً ودولياً، مع أوجه الاستفادة من قبل الفساد الرسمي المنتشر ببعض المواقع هنا وهناك، كما تقوم بدورها بتمويل جزءاً هاماً من التجارات غير المشروعة الأخرى في المنطقة والعالم، بما في ذلك تمويل العمليات الإرهابية نفسها.
تزايد التهريب تزايد للتصنيع..
تزايد الأخبار عن القبض على المروجين والمهربين للأصناف العديدة من المخدرات، وسقوطهم بأيدي الجهات الرسمية، يؤشر إلى أن التهريب وهذه التجارة قد تزايدت أيضاً، بفعل زيادة معدلات الاستهلاك لهذه الأصناف، مع ما يرافقها من تزايد بأعداد معامل تصنيعها، ولعل ذلك سببه الأساس هو الأرباح الكبيرة كما سبق ذكره، مع الشكوك بارتباطها بتمويل غيرها من النشاطات غير المشروعة الأخرى، بما فيها الجرمية.
ممر عبور
الأراضي السورية كانت فيما مضى ممراً لعبور أنواع مختلفة من المخدرات تهريباً، وذلك حسب التصريحات الرسمية، كما أن بعض المعامل المصنعة لهذه الأنواع موجودة في الداخل اللبناني وبشكل محدود، حسب التصريحات اللبنانية، وذلك كون هذه المعامل ليست بحاجة لأماكن كبيرة أو لتقنيات عالية، بل جل ما تحتاجه خبير عادي بمجال الصناعة الصيدلانية مع بعض الأدوات والمواد الأولية.
فهل ما زالت سورية ممراً للعبور؟.
سوق استهلاك متوسع وخشية مبررة
الحرب والأزمة، وتزايد الانفلات على الحدود، مع كثرة عمليات ضبط هذه المواد المعدة للتهريب، يدعونا للخشية بأن جزءاً من هذه المعامل قد أصبحت تعمل من الداخل السوري، للأسباب نفسها آنفاً والمتعلقة بالعائدات الكبيرة وبالتمويل، ولعدم الحاجة إلا لبعض الأدوات وخبير في التصنيع الصيدلاني ليس إلا.
حيث أن واقع الانفلات وغياب الرقابة وطول مدة الحرب، تعتبر من العوامل المستقطبة لمثل هذه الصناعات والتجارات السوداء، وهو ما يتم تداوله على مستوى تزايد أنشطة تجارة الأعضاء وتجارة الأسلحة وغيرها، خاصة مع المعلومات التي تشير إلى أن بعض المقاتلين من الفصائل المسلحة المختلفة قد اعتادوا تعاطي هذه الحبوب المخدرة، ناهيك عن الاستفادة من الترويج والاتجار بها، ما يعني وجود سوق استهلاك داخلي جديد للمواد المخدرة، تمت إضافته لما هو موجود سابقاً من سوق محدود للتعاطي هنا وهناك.
مهام جدية
ما سبق أعلاه يستدعي المزيد من المتابعة من قبل الجهات الحكومية، وأجهزتها المختلفة، مع المزيد من حملات التوعية، حيث أن بعض عمليات الضبط تعتمد على المعلومات التي يتم التحري عنها والتي مصدرها المواطنين، كما يتطلب التنسيق مع الأجهزة المعنية بهذا المجال على المستوى الإقليمي والدولي، من أجل ملاحقة الشبكات العاملة في التصنيع والترويج وضبطها، والأهم من ذلك هو العمل الجدي من أجل منع هذه الصناعة السوداء من أن تستوطن في الداخل السوري، ولعل ذلك لا يمكن أن يتم إلا بإنهاء الحرب والأزمة وتداعياتهما، التي تعتبر المناخ الملائم للأنشطة الجرمية وغير المشروعة كلها، مع ما يرافقها من آفات مجتمعية هدامة ومستنزفة لإمكاناته الآنية والمستقبلية.
وبالتالي فإن العلاج النهائي لمثل هذه الآفات والتجارات والجرائم، والخلاص بشكل نهائي منها ومن تداعياتها، يتطلب التغيير الجذري والعميق والشامل على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي وغيرها من المجالات، كلاً لا جزءاً وبشكل مترابط ومتوازن.