نزار عادلة نزار عادلة

سد «الغسانية» واحد من منشآت كثيرة بلا جدوى..

مقتل الشركات العامة الإنشائية في سورية، يتمثل في تأخير تنفيذ المشاريع، وهذا أصبح سمة تتميز بها المشاريع التنموية بشكل عام, وخلال سنوات طويلة لم ينجز مشروع ضمن المدة المتعاقد عليها، ويعود تأخير تنفيذ المشاريع إلى عوامل عديدة، تتعلق بالمنفّذ أو بالمشرف والدارس للمشروع، أو بالجهة صاحبة المشروع نفسها.

هذه القاعدة تجاوزها «سد الغسانية» الذي أُنشئ عام 1987 لتخزين 23.1 مليون م3 والهدف من إنشائه، درء الفيضان عن حماة.

عند إنشاء السد، تم استملاك ألف دونم من الأراضي الزراعية الخصبة، والمروية من آبار ارتوازية، يعتاش منها الآلاف.

الواقع كما هو

معظم العقود التي توقع مع الشركات الإنشائية، تفتقد إلى جهل بطبيعة الأرض، بسبب قلة السبور المأخوذة، إن أخذت أصلاً.

في هذا الصدد، يقول المهندس اليان الحلبي، الذي يعمل منذ 25 عاماً في الشركات الإنشائية: «في مشروع السكن الجامعي في حماة، اضطررنا إلى تعديل الدراسة، من أساسات مغروزة إلى حصيرة، وفي مشروع مياه خان حميدون، اضطرتنا طبيعة الأرض لتغير تصميم الخزان من بيتون كتلي إلى بيتون مسلح، وفي بعض الأحيان تتم الدراسة على الورق، واستناداً إلى مخططات طبوغرافية، دون إعطاء الدارس إمكانية الشخوص لموقع العمل ومعاينته. وهناك مسارات لخط مجرور، لا يمكن تنفيذه مطلقاً، كما أن الدارس في كثير من الأحيان، يخضع لضغوط من الجهات الوصائية، لإعداد دراسات لها صفة الاستعجال، ما يتسبب «بسلق» الدراسة، وعدم إعطائها حقها. ويتابع قائلاً: إن الأخطاء التي يقع بها مهندسو الدراسات، تنعكس بشكل مباشر على التنفيذ، وأهم خطأ يقع فيه الدارس، هو سوء تقدير كميات بنود الأعمال عند إعداد الكشوف التقديرية للمشاريع، فنرى الكميات إما أكبر من الكمية الفعلية، ما يعطي كشوفاً تقديرية بقيم كبيرة، أو تكون الكميات أقل من المطلوب».

حديث المهندس ينطبق على «سد الغسانية»، فمنذ إنشائه، امتلأ بالماء يوماً واحداً فقط خلال هذه السنوات، ولكن بعد ساعات، غارت المياه في أرضه. ولم تتم مساءلة أحد عن الأسباب!!

أساساً لماذا بني السد؟ فالفيضانات في حماة تحدث كل 50 سنة مرة واحدة، فورود المياه إليه غير متوقع، وأصبح السد الآن مكباً للنفايات، ومسرحاً للقوارض، التي اعتدت أكثر من مرة على الفلاحين وأرزاقهم وعبثت بها، إضافةً لانتشار الأعشاب الضارة، التي انتقلت لتلوث الأراضي المحيطة بالسد.

 عود على بدء

الفلاحون الذين استملكت أراضيهم، في كفربهم، لصالح سد الغسانية، وبأسعار زهيدة واقتطع منها الربع المجاني، بعضهم لم يقبض شيئاً، وبعد بناء السد أعلم الفلاحون، من الجهات المعنية، أن الأرض ستبقى بيدهم، وقاموا بزراعتها لأكثر من عشر سنوات، بموافقة وزير الري السابق، ولم يجر أي اعتداء على السد أو ملحقاته، بل على العكس، حافظت الزراعة على تماسك التربة، وعدم ظهور شقوق جفاف في الصيف، وعدم تركها بؤراً لانتشار الأعشاب الضارة، التي كثرت في السنوات الأخيرة وفتكت بمساحات كبيرة في المنطقة، وهذه كارثة بيئية تكلف جهوداً وأموالاً طائلة لمكافحتها. وقد حدث ذلك بعد منع الفلاحين من الزراعة، وقد وجه فلاحو المنطقة عشرات الكتب إلى الجهات الوصائية، يطلبون الإذن بزراعة الأرض البالغة مساحتها 1000 دونم، فصدرت قرارات من وزارة الري تؤكد على زراعة أرض السد، بموجب رخص رسمية، وصدرت قرارات أخرى من مديرية الموارد المائية لا توافق، ومديرية السدود توافق.

ومازالت المراسلات مستمرة، والفلاحون عاطلين، بينما تقوم مديرية الموارد حالياً بتنفيذ ساتر ترابي ارتفاعه أكثر من 3 أمتار يحيط بالسد مما يشكل عقبة في وصول الفلاحين إلى أراضيهم، كما يشكل عائقاً في طريق تصريف السيول التي تحصل كونه يقطع مجاري السيول الطبيعية. رفع الفلاحون عشرات المذكرات:

إنهم لا يطالبون بكشف الفساد الذي تمثل في بناء سد لا جدوى منه، ولا يتحدثون عن الخلل في أرض السد نتيجة أخطاء في السبور، ولا يتحدثون عن تقرير المجموعة الهندسية الاستشارية من جامعة دمشق، والتي اطلعت على السد، وقالت في توصياتها:

لا تسمح الظروف الطبيعية الخاصة ببحيرة التخزين، بتخزين المياه للري، لذا يقترح الاستشاري إلغاء مهمة الري عن السد، ويقترح الاستشاري إبقاء أنبوب المفرغ مفتوحاً بشكل دائم ومستمر حتى لا يتم تخزين المياه عبثاً.

ويدعو الاستشاري إلى إعادة تأهيل القمة، وتأهيل الارتفاع الاحتياطي، ويشير إلى التشوهات في جسم السد، وضرورة إكساء الوجه الأمامي له، أو بذل العناية اللازمة للمصطبة الطبيعية أمامه، وعدم تركها أرضاً بوراً، لمنع تشكل شقوق الجفاف صيفاً، ومعالجة الأقماع المخروطية «البالوعات» الثلاث المتشكلة في البحيرة بالروم والتسوية، وينطبق هذا الأمر على أية حفرة، قد تتشكل لاحقاً.

- الفلاحون يطالبون باستثمار الأرض من أصحابها، بما ينص عليه القانون، وببدل إيجار، ويتعهدون بعدم المطالبة بأي عطل أو ضرر، في حال حدوث السيول، وتشكل زراعة هذه الأرض دعماً للاقتصاد، وتنهي المشاجرات بين الفلاحين والرعاة، التي بدأت ولن تنتهي، ولكن هناك من يريد أن تبدأ المشاكل وألا تنتهي!!!