وسيم الدهّان وسيم الدهّان

خيارٌ وفقوس.. أم فقرٌ في النفوس؟!

تتسابق الأبنية التجارية بالنمو وكأنها الطاعون، وتنتشر على مداخل المدينة ومخارجها من كل الاتجاهات، وأكثر ما يلفت النظر ويدفع إلى السؤال هو السرعة الكبيرة في استخراج رخص مباشرة العمل لهذه الأنواع من المشروعات سواء كانت مراكز تجارية ضخمة، أم فنادق صغيرة أو كبيرة، أم مطاعم ما أنزل الله بها من سلطان.. الخ، ناهيك عن السرعة الزمنية الخيالية في إنشاء أبنيتها واستكمال إكساءاتها الداخلية والخارجية بل والتسويق لها، هذا إلى جانب القدرة السحرية التي يملكها القائمون على هذه المشاريع (التنموية) من حيث تحكمهم بمصائر أحياء كاملة في البيع والشراء تارةً، والهدم وقلة البناء تارةً أخرى، ولم يكن حي كفرسوسة الأول، كما لن يكون الأخير على لائحة الأحياء المعرضة للانقراض، طالما أن العمل في هذه المشاريع مازال مستمراً.

لن نتناول هنا الأبعاد الاقتصادية السلبية المترتبة على النمو الانتقائي للقطاع الخدمي دون غيره، ولا تلك النابعة عن خمول العمل في تنمية القطاعات الإنتاجية، لكننا سنتناول غياب الجهود الحكومية (الحقيقية) عن إدارة المساحات المكانية المتاحة، واستثمارها بشكل مناسب، في إشادة مبانٍ حديثة كفيلة باحتواء عمل مؤسسات الدولة، على سبيل المثال، مما يكفل تخفيف الضغط عن المدينة وشوارعها، وينظم أمور المواطنين بعيداً عن هدر وقتهم ومعاناتهم للمرارات المتعددة التي يعيشونها بمجرد التفكير في تسيير معاملة، أو مثلاً بتسهيل حصول الجمعيات السكنية التي تم إنشاؤها وفق قرارات وزارة الإسكان على رخص البناء وعلى الأراضي، للمباشرة في أعمالها وجداولها الزمنية تحت رقابة الجهات المختصة بما يساعد على التخلص، ولو جزئياً، من أزمة السكن الخانقة، ويسرع في أعمال هذه الجمعيات..

وإذا تناولنا المشاريع الإسكانية التي بادرت بها مؤسسة الإسكان، فإن الهدر الزماني والمكاني هما أخص خصائصها، لاسيما تلك المشاريع المزمع إنشاؤها بغية تأمين مساكن خاصة بالشباب. وبمقارنة بسيطة بين المشاريع الخدمية الخاصة وشقيقتها السكنية العامة، نجد أن الأولى قد تجاوزت كل حدود السرعة، رغم تكلفتها العالية نسبياً، ورغم كونها لا تفيد سوى أصحابها، بينما ترزح الثانية تحت ثقل التباطؤ وروتين المعاملات والتجاوزات الأخرى الكثيرة، في الوقت الذي تمثل فيه حلاً قليل التكلفة وشبه جذري لمشكلة السكن والاحتكارات العقارية من جهة، وتختصر احتياجات المواطن لتأمين استقراره الاجتماعي والاقتصادي من جهة أخرى..

وإلا، فإلى متى سيخصص أصحاب الاستثمارات بكل التسهيلات لتسيير شؤون أعمالهم؟ وإلى متى ستعاني مشاريع المنشآت العامة من بطء الإنجاز وانخفاض الرقابة على منفذيها؟ ومن المستفيد؟!..