امتحانات تحت المزاريب!
اعتادت الأجيال المتعاقبة لطلاب جامعة دمشق، على استهتار بعض الموظفين بهم، وعلى فساد وسوء معاملة عدد من الأساتذة في الكليات المختلفة. كما أن الطريقة الفوضوية التي يتم من خلالها تنظيم الامتحانات في أغلب الكليات، وخاصة كليات العلوم الإنسانية التي تستقبل آلاف الطلاب الجدد كل عام، والارتباك الذي يسببه ذلك، أصبح جزءاً من حياة أغلب الطلاب الجامعيين. ولكن جديد جامعة دمشق لهذا العام، كان سقوط مياه الأمطار على رؤوس الطلاب، وعلى أوراقهم الامتحانية أثناء تأدية الامتحانات.
فبتاريخ 18/1/2010، وعندما كانت السماء تفيض علينا بعطائها الذي انتظرناه طويلاً، فوجئ عدد من طلاب كلية الآداب بسقوط مياه الأمطار على رؤوسهم أثناء تأدية الامتحانات في الخيام التي نصبتها جامعة دمشق لاستيعاب أعداد الطلاب الكبيرة، الذين ضاقت بهم قاعات وممرات الكليات. وعمت الفوضى في الخيام، وانسحب عدد من الطلاب من الامتحان تحت تأثير البلل الكامل بمياه الأمطار، وحاولت الإدارة إيجاد حلول إسعافية من خلال إعادة توزيع الطلاب الذين كانوا في الخيام، على القاعات والممرات داخل المباني، مما تسبب في فوضى كبيرة، وارتباك في صفوف الطلاب والإداريين، الأمر الذي كان له آثار سيئة على تركيز الطلاب سواء الذين تبللوا بالمطر، أو أولئك الذي كانوا داخل المباني وفوجئوا بزملائهم يدخلون إلى القاعات بشكل فوضوي، وبحالة يرثى لها بسبب المطر الغزير.
ربما تكون هذه مجرد واحدة من عشرات الحوادث المضحكة المبكية التي يمر بها الطلاب في الجامعات السورية، فسوء الإدارة، والروتين القاتل، والفوضى، كلها مشكلات مستعصية يعرفها أغلب الطلاب والخريجين الجامعيين السوريين.
إلا أن هذه الحادثة على ما تحمله من طرافة وألم في وقت واحد، تدفعنا إلى طرح تساؤلات جوهرية: ترى أليس هناك في جامعة دمشق، أو في وزارة التعليم العالي، أو في الحكومة، من يعمل على دراسة نسب نمو أعداد المواطنين السوريين، ونسب نمو أعداد طلاب الجامعات في البلاد، لإعداد الخطط لاستيعابهم بشكل يليق بسمعة جامعاتنا، ومؤسساتنا التعليمية؟
أليس من المعيب أن تلجأ جامعة عريقة كجامعة دمشق إلى نصب خيم في الساحات، وتجميع الطلاب فيها في برد الشتاء، لتقديم امتحانات قد تكون مصيرية بالنسبة لهؤلاء الطلاب؟
ثم ألا يعلم رئيس الجامعة، ووزير التعليم العالي، والمتحدثون في الحكومة عن الاستثمار في الموارد البشرية، أن طلاب العديد من الكليات، ومن بينها الحقوق والآداب، يتلقون محاضراتهم في مبانٍ مسقوفة بألواح التوتياء تسمى «الهنغارات»، منذ عشرين عاماً؟
لا شك أن عشرين عاماً مدة كافية لبناء كليات ضخمة تستوعب آلاف الطلاب السوريين الذي يتدفقون إلى الجامعة كل عام. ولا شك أنه ثمة إمكانية وبأدوات إحصائية بسيطة لوضع تقديرات تقريبية لعدد الطلاب السوريين خلال الخمسبن عاماً القادمة، وإعداد كل ما يلزم لاستيعابهم وتقديم مستوى تعليميٍ لائقٍ لهم.
إن استمرار هذه الفوضى في إدارة جامعة دمشق، والاستمرار في تجاهل نسب النمو السريعة لأعداد الطلاب، وفي تجاهل ضرورة إعداد ما يلزم من مبانٍ وأثاث وكوادر، سوف يسيء لسمعة هذه الجامعة العريقة الرائدة، التي كانت واحدة من أهم الجامعات في الشرق، وسيؤدي إلى تدهور مستواها التعليمي أكثر فأكثر، في الوقت الذي نريد فيه لجامعاتنا - وعلى رأسها جامعة دمشق - أن تكون رافداً أساسياً من روافد الثقافة والبناء في البلاد، وفي المنطقة، وحتى على مستوى العالم كله... أم أنه ليس مسموحاً لنا أن نحلم بذلك؟؟