الكهرباء تفاوت بالخدمة حسب المواطنة
تزايدت ساعات قطع الكهرباء في العاصمة دمشق خلال الأيام الماضية، كما خرجت عن حدود التقنين المتعارف عليه سابقاً، حيث تقطع أيضاً خلال ساعات الوصل، وتتذبذب بالتوتر مما يتسبب بتعطل الأجهزة الكهربائية، بالإضافة إلى الخسائر المترتبة جراء تلف المواد الغذائية المحفوظة بالبرادات، وحالها هذا لا يختلف عن سواها من المدن الأخرى.
ليست المرة الأولى التي يتكبد فيها المواطنون خسائر جراء سوء خدمة التيار الكهربائي، مع الاستغراب والاستهجان جراء تدني هذه الخدمة عاماً بعد آخر طيلة عقود مضت، ولكن المستغرب والمستهجن أيضاً بالنسبة لسكان العاصمة هو الاستمرار بسياسة التفاوت بساعات التقنين بين منطقة وأخرى، وبين حي وآخر، إضافة إلى الاستغراب من بعض الأسباب المعلنة التي ما عادت مقنعة بالنسبة إليهم.
أزمة مزمنة ومبررات ممجوجة
بعض الأسباب الرسمية المعلنة عن مبررات زيادة ساعات التقنين كانت «استهداف خط التوتر بين الديماس ودير علي- استهداف محطة الزارة- ارتفاع درجات الحرارة- نقص بكميات الوقود»، وغيرها من الأسباب الأخرى والتي يغلب عليها صفة التكرار الذي أصبح ممجوجاً من قبل المواطنين، حيث أن بعض هذه الأسباب ليس مقترناً لا بالحرب ولا بالأزمة، باعتبار أن مشكلة الكهرباء عموماً ليست مشكلة وليدة الأزمة، بل كانت سابقة عليها لسنوات طويلة خلت، كما أن كل عطل من هذه الأعطال يكلف مبالغ طائلة من أجل إصلاحه على أيدي عمال الكهرباء وورشاتها العاملة، وذلك كله يتم اقتطاعه وتمويله عملياً من جيوب المواطنين بنهاية الأمر، ناهيك عما يتكبدونه أصلاً من نفقات كبيرة على البدائل من بطاريات وليدات وشواحن وغيرها.
أحد المواطنين قال: «ما حدا مكيف من قطع الكهربا قد تجار البطاريات والمولدات والليدات»، وقال آخر: «ما ملوا من هالديباجة، أكتر من خمس سنين ع هالحالة بعز الصيف متل عز الشتي».
كلمة للإنصاف
عموماً لا يمكن إنكار الاستهداف من قبل الإرهابيين لمحطات التوليد وخطوط نقل الطاقة، كما لا يمكن إنكار الجهود الكبيرة المبذولة من قبل عمال الطوارئ وورشات الإصلاح، خاصة بظل الأخطار التي يتعرضون لها، حيث لم تعد مقترنة بتلك المتعلقة بطبيعة العمل فقط، بل تجاوزتها للأخطار الأمنية الحياتية المرتبطة بالمكان والزمان حسب سير المعارك وخطوط التماس فيها، والتي دفع البعض منهم حياته ثمناً لها وهو على رأس عمله ويقوم بواجبه بكل شجاعة والتزام، ولعل هذه الأسباب مقنعة ومنصفة للمواطنين أكثر من غيرها.
أما ما هو غير مقنع فهي تلك التي يتم إيرادها عن زيادة معدلات الاستهلاك، أو عن النقص بتوريد الفيول أو الوقود اللازم للتشغيل، وغيرها من الأسباب التي لم تعد مقنعة بعد هذه السنوات كلها ، والتي كان من الواجب أن تؤخذ بعين الاعتبار لتلافيها وتجاوزها عبر الخطط التي توضع والمبالغ التي ترصد وتجبى، والوعود التي تقطع، والاستراتيجيات التي رسمت عن مستقبل الطاقة والتشجيع على الاستثمار في البدائل المتجددة والنظيفة، والتي لم تر النور حتى تاريخه.
«خيار وفقوس»
أما ما لا يمكن تبريره أو تسويغه من قبل المواطنين فهو التعامل وفق مبدأ «خيار وفقوس»، حيث هناك تفاوت في ساعات التقنين بين المناطق والأحياء، وكأن هناك تقسيماً للمواطنين على مستوى الخدمة بين الدرجة الأولى والثانية، والمواطنين الذين هم خارج حدود المواطنة بالخدمة الكهربائية أو سواها، وهم الأكثر تضرراً على مستوى ساعات التقنين وتذبذب التيار والأعطال المترتبة بنتيجته على الأجهزة الكهربائية المنزلية، والعلة في ذلك أنهم مقيمون في العشوائيات ما يعني المزيد من الأعطال ومراكز التحويل والحجة والذريعة الدائمة هي زيادة الاستهلاك وعدم تحمل هذه المراكز لزيادة الأحمال والضغط الزائد على الشبكة في منطقتهم، ولسان حال هؤلاء يقول: «فوق الموتة عصة قبر»، حيث لا مجال للمقارنة بالخدمات بين تلك المقدمة في العشوائيات عما هو موجود من خدمات في المناطق والأحياء التي تعتبر راقية، ليزيد على شقاء هؤلاء، بالإقامة في مساكن ومباني غير صحية وبعضها غير صالح للسكن، شقاء آخر يتمثل بسوء الخدمات وتكبد نفقات إضافية عليها، هم بأمس الحاجة لها على مستوى معيشتهم المتردية أصلاً.
سوء الخدمة معمم
واقع سوء الخدمة الكهربائية في العاصمة دمشق مشابه تماماً لسواه ببقية المدن والمحافظات، حيث المعاناة هي نفسها من قبل المواطنين، كما المبررات والمسوغات هي نفسها كذلك الأمر من قبل وزارة الكهرباء ومؤسستها وشركاتها، بالإضافة إلى أن واقع تباين تقديم الخدمة كذلك الأمر «خيار وفقوس» فيها حسب الأحياء وحسب درجات المواطنة.
أحدهم قال: «لو جمعوا المبالغ اللي انصرفت ع الشواحن والليدات والصيانة، وحطوها بمشروع كهربا متل الخلق والعالم طول هالسنين، كان صار عنا كهربا عامة ع الطاقة الشمسية ببلاش».
ولعل ما قاله هذا المواطن يقارب الحقيقة، حيث تزايد الاستغلال للحاجة لبدائل الطاقة الكهربائية من قبل كبار التجار والمستوردين، بظل استمرار أزمة الكهرباء وتفاقمها وخاصة خلال فترة الحرب والأزمة، كما وتزايد تحالف هؤلاء مع بعض الفاسدين والمتنفذين في بعض مواقع المسؤولية والقرار، مما زاد من التكاليف ومعدلات الإنفاق الشهري لقاء تأمين خدمة الطاقة الكهربائية من جيوبهم، سواء عبر ارتفاع تكاليفها المرتبطة بالفاتورة الدورية، أو عبر ارتفاع أسعار بدائلها على أنواعها وتصنيفاتها المختلفة، كما وازدادت سلبيات تقديم الخدمة مع الترويج للخصخصة فيها، ولنا بنموذج خصخصة الكهرباء بحلب شكلاً فاقعاً عما يمكن أن تؤول إليه هذه الخدمة بحال استكمال خصخصتها، حسب ما يريده ويروج له ويعمل عليه دعاة الليبرالية والاقتصاد المنفتح، والذين شُرعت لهم الأبواب عبر السياسات الاقتصادية للحكومات المتعاقبة، ما أُعلن منها وما بطن.