تناقض في التصريحات.. من قطع المياه عن دمشق؟ وهل عادت «الفيجة» فعلاً؟

تناقض في التصريحات.. من قطع المياه عن دمشق؟ وهل عادت «الفيجة» فعلاً؟

عاد مشهد طوابير «بيدونات» المياه إلى الواجه من جديد في العاصمة دمشق بعد أقل من عام. أبو ثائر وأولاده الثلاثة اصطفوا حاملين ماستطاعوا من حاويات يمكن ملأها بالماء، من أحد منازل منطقة ركن الدين المرتفعة، بعدما انقطعت مياه الشرب عن أغلب أحياء دمشق منذ حوالي الأسبوع، لأسباب  متضاربة بين الروايات الرسمية ذاتها من جهة، ورواية وحيدة للجماعات المسلحة من جهة أخرى.

أبو ثائر: وأطفاله، لاتعنيهم كل تلك الأسباب، كما قال، فكل ما يعنيه أن «يحصل على الماء الذي نفد من منزله نهائياً، وسط معاناة من الحرارة المرتفعة خلال شهر رمضان».

يقول أبو ثائر «مؤسسة المياه وعدتنا في المرة الماضية، ألا نتأثر بأي تصرف قد تقوم به الجماعات المسلحة، من قطع لمياه الفيجة أو بردى، من خلال خطط ومشاريع معينة، وقد تكشف اليوم عن مدى تلك القدرات التي تحدثت عنها مؤسسة المياه العام الماضي، فها نحن نعاني سوء تلك الخطط التي حرمتنا من المياه أسبوعاً كاملاً بغض النظر عن سبب القطع الرئيس الذي لا يعنيني».


خطة الطوارئ لم تنجح!

وهنا كان رد المؤسسة مخالف لتوقعات أبو ثائر، حيث وجدت بخطتها أنها «ناجحة جداً» بعد أن تمت تجربتها خلال الأسبوع الماضي، ورأت من وجهة نظر مدير مؤسسة المياه بدمشق وريفها حسام الدين حريدين، في تصريح له على إحدى الإذاعات بدمشق، أن: «خطة الطوارئ هذه لا تؤمن المياه على مدار 24 ساعة يومياً، لكنها أثبتت نجاحها خلال هذا العطل»، مشيراً إلى أنه كانت هناك مشكلة فعلاً فقط للمناطق المرتفعة، وتم تلافيها، قائلاً: إن «المؤسسة تعمل بهذه الحالات على تأمين المياه بالتساوي بين المناطق».
حريدين، أكد نهاية العام الماضي بعد حادثة مشابهة من انقطاع لمياه الشرب في دمشق، قاربت الأسبوع الكامل: أنه «في حال حدوث أي طارئ فلدينا مصدر بديل، وهو حوض مدينة دمشق، نأخذ منه 175 إلى 200 ألف م3 يومياً، إضافة إلى خطة طوارئ، إن خرج نبع بردى أو نبع الفيجة عن الخدمة، يمكننا خدمة مدينة دمشق بشكل كامل، بتقسيم المدينة إلى قطاعات وكل قطاع يأخذ حاجته، حسب عدد السكان»، مشيراً إلى أن «مصادر المياه تحت يد الحكومة، ولا خوف عليها، وأن مدينة دمشق لن تعطش ولا بأي شكل من الأشكال».
ورغم تلك التصريحات السابقة، إلا أن المياه قطعت عن العديد من أحياء دمشق لحوالي الأسبوع، وبدأت تعود تدريجياً يوم الأربعاء الماضي، ولم تستقر حتى يوم الخميس، حيث بقي ضخ المياه ضعيفاً جداً في العديد من الأحياء، وهنا بقي سبب انقطاع المياه الحقيقي مجهولاً، وسط تضارب في التصريحات.


من قطع المياه؟

ما يسمى «تنسيقيات المعارضة»، أكدت على صفحاتها أن المسلحين في وادي بردى، قطعوا مياه الشرب عن دمشق في 19 حزيران الجاري، رداً على ما قالوا أنه «اختراق الهدنة» التي كانت مبرمة معهم، وطالب المسلحون في بيان لهم نشر على صفحات فيسبوك «بالإفراج الفوري عن جميع معتقلي ومعتقلات وادي بردى دون أية شروط، والسماح بدخول المواد الغذائية والتموينية والصحية والمحروقات، ومواد البناء للمنطقة، وفك الحصار» على حد تعبيرهم.
وطالب البيان كذلك بسحب «كافة دشم ومتاريس الجيش الجديدة فوق قرى المنطقة، وسحب عناصر الشرطة، وعناصر الدفاع الوطني، من بناء الحناوي في قرية بسيمة».


بعد أيام.. تناقض رسمي!

لكن رغم ذلك، بقي سبب انقطاع المياه عن دمشق مجهولاً من الناحية الرسمية حتى يوم 23 حزيران، حيث جاء تصريح رئيس مجلس الوزراء ، وائل الحلقي متهماً المسلحين بـ «التعدي على حرم نبع الفيجة» ما أدى إلى إنقطاع المياه عن أحياء مدينة دمشق، وهنا تم تأكيد رواية المسلحين تقريباً، بأن السبب الرئيسي لانقطاع المياه هو المسلحون، إلا أنه وفي اليوم ذاته، خرج تصريح مناقض لتصريح د. الحلقي عبر مؤسسة المياه والصرف الصحي بدمشق وريفها، التي قالت: إن «السبب عبارة عن عطل فني بخط بردى» ليس إلا.
الحلقي أفاد خلال جلسة مجلس الوزراء، أن «انقطاع المياه ناجم عن تعديات التنظيمات المسلحة على حرم نبع الفيجة، ومحاولتها التحكم بمياه الشرب»، مايعني في عبارة «التحكم بمياه الشرب»، أن من قام بقطع المياه فعلاً هم المسلحون، إلا أن هذه الرواية كانت منفية من قبل مدير عام مؤسسة المياه والصرف الصحي في دمشق، حسام حريدين، الذي كان له تبرير آخر، أطلقه في اليوم ذاته، قائلاً: إن «نقص مياه الشرب الذي تعانيه بعض أحياء دمشق، مرده خروج خط بردى عن الخدمة، نتيجة عطل فني، مشيراً إلى أنه من المتوقع أن تنتهي أعمال الصيانة خلال 48 ساعة تقريباً».
وأضاف حريدين، أن «خروج الخط سبب نقص ما يقارب 100 ألف متر مكعب من المياه يومياً، ما استدعى تعويضه من مصادر مدينة دمشق بموجب خطة وزارة الموارد المائية، والإجراءات التي تقوم بها على صعيد تأمين مصادر جديدة للمياه».


48 ساعة.. هل هذه مياه دمشق فعلاً؟

الـ48 ساعة التي وعد بها حريدين، والتي بدأ احتسابها منذ يوم الثلاثاء، تقريباً لم تكتمل، ففي ظهيرة يوم الأربعاء كانت مياه الشرب قد وصلت معظم الاحياء الدمشقية، إلا الأحياء المرتفعة التي وصلتها المياه فجر يوم الخميس، لكن المياه التي وصلت لم تكن كما مياه الفيجة المعتادة بحسب بعض السكان، وهنا بدأت التساؤلات تدور، هل هذه فعلاً هي مياه الفيجة أم مياه آبار؟.
وأكد العديد من المواطنين لـ «قاسيون»، أن المياه التي وصلت منازلهم كانت «عكرة وتحوي بعض الرواسب»، وفقاً لرواياتهم، عدا عن أن ضخها كان ضعيفاً جداً، وذلك ليس من سمة مياه الفيجة التي اعتادوها، وهنا، وعند العودة إلى صفحات المعارضة، فقد تم الاعلان عن «تخفيض» المسلحين «ضخ كمية المياه نحو دمشق» بسبب ما وصفوه بـ«المراوغة» في تحقيق مطالبهم.
لكن مؤسسة المياه بقيت عند موقفها نافيةً تحكم المسلحين بضخ المياه، مؤكدةً أن عكارة المياه التي تحدث عنها البعض، ناجمة عن تزويد بعض أحياء دمشق بمياه آبار ريثما يتم إصلاح «العطل»، وأن هذه القضية انتهت، وأن مياه الفيجة قد عادت.


وراحت مؤسسة المياه إلى أبعد من ذلك، لتنفي انقطاع المياه عن دمشق «بشكل كامل»، حيث قال حريدين في آخر تصريح له يوم الخميس الماضي على إحدى الإذاعات بدمشق: إن «المياه لم تقطع تماماً عن كامل دمشق، ماعدا بعض المناطق المرتفقة»، مشيراً إلى أن عطلاً فنياً في نبع الفيجة أدى لتخفيض كميات الضخ في الشبكة، ووجود النبع في منطقة غير آمنة أخر من إصلاح العطل، حيث منع المسلحون فرق الصيانة من الدخول لحرم النبع، وحلت المشكلة، مؤكداً أن دور المسلحين في قطع المياه كان فقط في منع وصول فرق الصيانة «لاصلاح» العطل، وحتى أنهم وافقوا أخيراً على الدخول والاصلاح.
وعن مصادر تغذية دمشق بالماء أثناء الخلل الفني، أوضح حريدن إن «مياه الفيجة لم تنقطع بالكامل، وتمت الاستعانة بحوض مدينة دمشق وبعض الآبار المحلية، خاصة مناطق التجارة والمزة».

 ورائحة مازوت عكارة

أما فيما يخص نقاوة المياه، وحول شكاوى من رائحة «مازوت» منبعثة من صنابير المياه،  أكد حريدن إن «عكارة المياه، عبارة عن أملاح زائدة لا أكثر، وهي آمنة وضمن المواصفات القياسية»، لافتاً إلى «أنه تم التأكد من المصادر الرئيسية والخزانات والشبكة، بعد ورود عدة شكاوى عن وجود مازوت في المياه، ولم نجد شيئاً، وما وجدناه في مناطق محددة هي مشكلة محلية ورائحة مازوت في المنطقة نفسها».
لايمكن التأكد اليوم، إن كانت فعلاً، دمشق تتغذى من المياه ذاتها التي اعتادت عليها، أو من حوض دمشق، وبعض الآبار عبر «خطة الطوارئ» التي تم الإعلان عنها العام الماضي، بعد حادثة مشابهة، أعلن خلالها المسلحون قطع المياه ونفت المؤسسة ذلك أيضاً.
ومايزيد من التساؤلات حول مصير مياه الفيجة، ومصدر المياه الحالية، هو تصريح رئيس الوزراء ذاته، الذي يناقض تصريح المؤسسة، والتي أكدت أن تقنين المياه سيعود مجدداً «بحدود دنيا» كما وصفت، لكن بعد استقرار الوضع الحالي الذي تلا انقطاع المياه حوالي الأسبوع عن بعض المناطق.

آخر تعديل على الأحد, 28 حزيران/يونيو 2015 14:44