ثالوث الخريف القلق.. المدارس تفتح أبوابها على باب إنفاق جديد.. وهموم متفاقمة
عبدالرزاق دياب عبدالرزاق دياب

ثالوث الخريف القلق.. المدارس تفتح أبوابها على باب إنفاق جديد.. وهموم متفاقمة

كان رسم التعاون والنشاط من الأمور التي يحسب لها الفقراء ذات يوم بعيد ألف حساب، ولكي لا نبدو كمن يتقيأ ذاكرة عمرها ثلاثة عقود، يجب أن نعترف كم تغيرت الحال، ولكن يجب ألا نعترف في الوقت نفسه بهذه الحال.

المدارس ستفتح أبوابها يوم الأحد 19 أيلول وأسئلة كثيرة في بال الثالوث الذي تعنيه، الأهل والأساتذة والطلبة، وحيرة تعتري الجميع من قادم قد لا يكون بحجم التهويل الذي يسبقه، لكنه على الأقل يضع ضلعين من المثلث في قلق مسبق.

الأهل الخارجون من معمعة العيد والشهر الحرام مفلسين قانطين، يرون في العام الدراسي عبئاً جديداً على جيوبهم الفارغة، وفي أحسن الأحوال ديناًً يضاف إلى قائمة الديون، والطلبة يخشون من تجربة المنهاج الجديد الذي سبقته أقاويل كثيرة.. أما الأساتذة فمشكلتهم تبدو مع موجهيهم ووزارتهم.

حلقة جديدة

يقسم أبو أحمد سائق صهريج مياه أنه لم يشتر لأولاده حتى الآن لباس المدرسة، من صدرية ابنته الصغرى إلى بدلة أحمد التي سيتجاوز ثمنها ألفي ليرة على الأقل.

أما قاسم الذي يعمل كمستخدم مسائي بعد وظيفته الحكومية فيقول إن أبناءه لا يشترون لباساً في كل عام، ولكن على الأقل حذاء أسود لكل واحد، لكن العيد أكل ما في الجيب، والمونة على الأبواب.

ضاعت أولويات المواطن هذا الشهر، ولم يعد بمقدوره ترتيب ما يجب، فكل ما هو ضروري أتى دفعة واحدة، وتبقى لوازم المدرسة على الأقل في مقدمتها، الحلقة الجديدة التي تحتاج إلى الكثير من العناء، والاجتهاد في طلب الرزق والمال، فالمدرسة لم تعد فقط ثمن أوراق المذاكرات، ولا التعاون والنشاط الذي كان رمزياً، وأسعار المطبوعات وصلت إلى الأفق بسبب تنوعها، وغلاء الورق عالمياً حسب أحجيات الصانعين، أما عن التنوع فهذا دفتر بشريط، وهذا بدونه، وهذا بورق ملون، وهذا ورق تشريك، أضف إلى ذلك الأقلام المنوعة بكبسة وسواها، وهذا وطني، وذاك فرنسي مستورد، أو صيني رخيص وقليل العمر.. هي السوق المفتوحة كجرة غاز في وجه المواطن وحده.

أما الألبسة فتتراوح بين 1200 - 2500 ليرة سورية، وهنا يحتار الأهل بين شراء بدلة واحدة بـ2500 أو بدلتين بـ1200 ليرة، فالأخيرة حسب تجارب الأهل لن يتجاوز عمرها المجدي الفصل الأول فقط.

في السوق سيدخل المواطن إلى البازار المفتوح على الجشع والبضائع الرديئة، وسيجرب التاجر كل أساليب الاحتيال على المواطن، لأنه الموسم، وهو يدرك أن المواطن لن يعود إلى البيت دون أن يشتري.

كذلك تفنن أصحاب الورش والمعامل بصنع موديلات جديدة تساير الموضة، وبالذات رغبات المراهقين، وهذا ما يفتح الباب واسعاً للمناورة على السعر من جهة، وإغواء المراهق من خلال مخاطبة رغبته ولو ببضاعة سريعة الاهتلاك.

الأحذية أيضاً محلقة فهي بين 600-1500 ليرة وحسب السن والنمرة، وتخضع لآلية مناورة التاجر نفسه بالسعر، والموديل.

إذاً بالمحصلة، سيدخل الأهل في الحلقة الجديدة منهكين محنيي الظهر، في غياب أي نوع من السيطرة على السوق، وارتفاع في الأسعار، وحاجة لا بد من اقتنائها.

المنهاج الجديد

العام الدراسي الجديد يحمل في طياته المنهاج الجديد الذي أقرته وزارة التربية على بعض المراحل، وجاء نتيجة تجربة أجرتها الوزارة في بعض المدارس، ونتج عن هذه التجربة استبدال أكثر من 150 مقرراً، وسوف يشمل التغيير المرحلة الأساسية من الأول حتى الرابع إضافة إلى الأول الإعدادي، أما في الثانوية فالمنهاج الجديد فقط لطلاب الأول الثانوي.

الطلبة هم وحدهم المتهيبون من هذا المنهاج أولاً، أما الأهل فيتضامنون معهم من إحساسهم الأبوي أولاً، وثانياً من تبعيات هكذا جديد عليهم مالياً.

الطلبة الذين لا يمتلكون قرار الموافقة على المنهاج الجديد، ولم يطلب أحد رأيهم فيه، أي لم يطالهم على الأقل استبيان واحد للتربية، فقط هي من أقر التجربة ونفذها وعممها، هؤلاء الطلبة يرون فيه القادم الغامض الذي لا يعرفون عنه شيئاً سوى أنه قد يربك عامهم الدراسي.

الصغار في المرحلة الأساسية من الأول إلى الرابع سيكونون خارج المعضلة، أما الكبار فيرون فيه قفزة في غير محلها.

أحد الطلبة: أستاذ اللغة العربية الذي يتلقى دورة تدريبية على المنهاج الجديد قال: الله يعينكم، نحن الأساتذة (تلبكنا)، وهذا المنهاج فيه تغيير في التدريس والموضوعات المطروحة.

طالب آخر: هل نحن حقل تجارب للتربية؟ لماذا اختاروا هذه الصفوف؟ لماذا لم يبدؤوا بالتغيير صفاً صفاً، هكذا تكون الأمور أكثر سهولة، وأكثر منطقية.

والد أحد الطلبة: الأهم أن سعر النسخة سيكون ضعف النسخة الماضية، هناك من يقول إن سعرها بين 2500-3500 ليرة، كما أنه لا توجد دفاتر، المدرسة هي التي ستوزعها مطبوعة.

يقاطعه آخر: سمعت أن الدفتر سيكون جزءاً من الكتاب، أي أنهما مع بعضهما، سيدي أوفر.

حتى الأيام التي تسبق بدء العام الدراسي، ظل الأهالي وأبناؤهم لا يعرفون شيئاً يذكر عن الترتيبات التي سيتخذونها لاستقباله، ماذا يشترون؟ ما هي المقررات ومستلزماتها؟ وفي الوقت نفسه وزارة التربية لم تنبس بكلمة مبكرة حول جديدها، فقط دورات تدريبية للأساتذة، لا أحد من مسؤوليها أطل كعادة أي تغيير جديد عبر شاشة تلفزيونية أو أثير إذاعة وتحدث عن المنهاج الجديد، أو لفتة طمأنة للطلبة، أو الأهل المشغولين بالتحضير لعام أبنائهم.

دورات الأساتذة

تتواصل الدورات التدريبية لأكثر من 200 ألف مدرس في كل المحافظات للإطلاع على المنهاج الجديد، هؤلاء هم الذين سيحملون أمانة تعليمه لمئات الآلاف من الطلبة، وأغلب من استطعنا سؤالهم كانت إجاباته لا تتعلق بالمنهاج، إنما بالمدة القصيرة للدورة المكثفة التي اتبعوها، بالإضافة إلى أن الموجهين التربويين الذين أشرفوا عليها ليسوا على دراية كاملة برؤية الوزارة ولا بأهدافها.

أحد الأساتذة الذي رفض أن نذكر اسمه حتى بالرمز قال إن منهاج إحدى المواد الرئيسة عامر بالأخطاء من كل نوع.

أستاذ آخر قال إن الموجهين التربويين هم كانوا الأكثر حاجة لدورات تدريبية حتى يتمكنوا من إيصال ما يراد من المنهاج الجديد، وما الأساليب التربوية الأكثر نجاعة لإيصاله، خصوصاً أن إعدادهم وتأهيلهم ليس على المستوى المطلوب.

المشكلة الأخرى هي بين المعلم الأصيل والوكيل، الأصيل الحائز على شهادة جامعية ربما تصله الدورة التدريبية بسرعة إلى غاياتها، أما الوكلاء فسيعانون ومعهم الطلبة خصوصاً في المرحلة الأساسية الأولى، التي سوف تؤسس للمراحل القادمة.

وتتضح هذه المشكلة في الأرياف على الأغلب، فأغلب الأساتذة فيها من الوكلاء الذين يسدون الفراغ، خصوصاً في الأرياف النائية، وعلى رأسها طبعاً مدارس المنطقة الشرقية وبعض قرى ريف دمشق وحلب.

أزمات تتعمق

المنهاج الجديد سيعمق أزمات تعليمية كانت طافية في العام السابق بوضوح، فالدروس الخصوصية والحاجة إليها والذين سيستغلون هذه الحاجة مستنفرون لاقتناصها، فقد شهدت السنوات الأخيرة انتشاراً كبيراً للدروس الخاصة بحجة صعوبة المنهاج، وعدم قدرة الكادر التدريسي على استيفاء حصصه، رغم أن العاملين في هذه الظاهرة من المدرسين لم يأتوا من قطاعات الصناعة أو الزراعة، بل هم أبناء المناخ نفسه..

الاتجاه إلى الخاص في الحقل التعليمي ألحق أضراراً مادية بالمستفيدين من تعليم الدولة المجاني، الذي من مصلحة البعض إشاعة عجزه، وبالوقت نفسه تلميع التعليم الخاص، واعتباره المخلص والمنقذ لمستقبل الأجيال التي لا ترى أي بصيص أمل حقيقي في هذا المستقبل الموعود، أضف إلى ذلك رغبة من أطراف حكومية بقيادة هذا القطاع إلى الخصخصة، ووزارة التربية منحت مئات التراخيص للمدارس الخاصة في السنتين الأخيرتين، ناهيك عن المشكلات التي تركها قطاع واسع كان يعمل في حقل التعليم ألا وهو المعاهد الخاصة.

سيفتح أساتذة الدروس الخاصة أيديهم لاستقبال جموع الباحثين عن درس إضافي، خصوصاً في أوقات الامتحانات، وبالتالي سوف ترتفع أسعارهم القديمة، وللجديد بكل تأكيد سعره الخاص.

بالمقابل لن يكفي الأهالي عبء تأمين المستلزمات العادية، بل ستلقى على كاهلهم أعباء جديدة، وبالتالي البحث عن وظائف وأعمال جديدة لن يكفيها يوم البشر العاديين.

الاستثمار.. الحل

من المؤكد أن كل الطرق ستلتقي عند طاحونة الاستثمار، فالتعليم من القطاعات الربحية المؤكدة، وفي برنامج الفريق الاقتصادي للخطة الخمسية التي تودع عامها الأخير برنامج عمل سيأخذ 37% من التعليم إلى الخصخصة.

كما أن المدارس الخاصة التي تتنافس على جذب الطلبة ستفعل المستحيل لزيادة أرباحها، واجتراح الحلول، وهي تملك ذلك لكسب أكبر عدد ممكن من المنتسبين إليها، وبالتالي ستتنوع العروض لأصحاب الإمكانات دون سواهم وربما تصل إلى تقديم المنح، والمقاعد الجامعية لطلبتها، في وقت تتراجع فيه أسهم مدرسة الحكومة الأم، وتشاع عنها الأقاويل من أبنائها في سبيل المال.

من باب آخر ربما نشهد عودة للمعاهد الخاصة في لبوس جديد، أو سيخترع لهذا الجديد معاهد جديدة تفتح الباب على استثمار مختلف، واستنزاف لجيب المواطن.. والانفتاح يعم ويتوالد معه كل ما يلزم من طفيليات..

عباءة التعليم

يوماً بعد آخر، يزداد عدد المتسربين من المدارس، وتخرج بعد المرحلة الإلزامية أعداد أكبر بسبب ظروف الحياة الاقتصادية الصعبة، عدا عن عدم القناعة بمستقبل المتعلمين في ظروف البطالة الآخذة أيضاً بالتضخم.

ومن المتوقع أيضاً ألا يستطيع المواطن العادي، وهو اختصار للشعب بأغلبيته، أن يتحمل مصاريف تعليم الأبناء، وبالتالي لن يصل إلى التعليم العالي سوى القادرين على تحمل نفقاته.

العودة إلى عباءة التعليم الأولى هو الحل، أن تسهم الحكومة في دعم الفقراء وعدم رفع الدعم عن هذا القطاع الذي هو عماد نهضة الوطن، التعليم حق تكفله الدولة، وإذا خرج من هذه العباءة سيكون حكراً على المتخمين.. المتخمين فقط..

كما أن دور وزارة التربية ليس البحث عن بدائل للمقررات، وتطوير العملية التربوية والتعليمية وحسب، بل من واجبها أيضاً أن توقف هذا الانفلات في سلك التعليم، فمن المعيب أن يجر أساتذة التلاميذ من الصفوف إلى الغرف الخاصة من أجل ساعة بألف ليرة أو أكثر.. من المعيب أن يعلن بعض الأساتذة على الجدران أرقام هواتفهم الجوالة واستعدادهم لتقديم النصح والدروس.. لا نريد للمدرسة أن تفقد أبويتها للمجتمع.. ولا للأستاذ أن يتقمص دور التاجر.. فعندها سيصبح كل شيء آيلاً للخراب..