«تقنين طبقي وشبكات مهترئة»... الأزمة السورية تكشف عورة «الكهرباء»
تعاني سورية بشكل عام من انقطاعات مفاجئة وطويلة للتيار الكهربائي، بعضها متعلق بالاعتداء من الجماعات المسلحة على محطات التوليد وخطوط الغاز المغذية لها والشبكات الرئيسية، والبعض الآخر متعلق بالتقنين العشوائي غير المنتظم نتيجة الأعطال الفنية واهتراء الشبكة، وأمور أخرى متعلقة بالحمل الزائد عليها في ظل صعوبة الحصول على مازوت التدفئة والاعتماد على المدافئ الكهربائية، إضافة إلى التعديات على الشبكة الكهربائية.
كشفت الأزمة الحالية التي تمر بها سورية عيوب وضعف الشبكة الكهربائية بعيداً عن الإعتداءات من الجماعات المسلحلة، فمع بدء فصل الشتاء ازداد التقنين للتيار الكهربائي بشكل ملحوظ شغل بال غالبية المواطنين، حيث وصل في بعص المناطق إلى 6 ساعات متواصلة، علماً إن التقنين كان موجوداً في فصل الصيف الماضي، وحتى قبل الأزمة الحالية التي بدأت منذ ثلاث سنوات، إلاّ أن هذه الظاهرة وصلت إلى ذروتها خلال الأزمة.
التقنين غير العادل
وبعيداً عن الانقطاعات الطارئة الناتجة عن اعتداءات أو أعطال فنية عامة، اشتكى مواطنون من عدم انتظام ساعات التقنين وعدم العدالة فيها تبعاً لمناطق معينة، وقال مشتكون إن «بعض مناطق دمشق وريفها تشهد عدم انتظام في أوقات انقطاع التيار الكهربائي ومدة انقطاعه، في حين تشهد مناطق أخرى انتظاماً واضحاً وساعات محددة».
وأضاف المشتكون إن «أغلب هذه المناطق المنتظمة في التقنين هي مناطق معروفة بمستوى قاطنيها الاجتماعي والمادي، كأحياء (المالكي- الشعلان- أبو رمانة- المزة)، في حين تركت مناطق مثل (ركن الدين- الشاغور- ضاحية قدسيا- جديدة عرطوز- وغيرها من الأماكن)، تعاني عدم انتظام الكهرباء».
وتابعوا إنه «حتى في حال الاعتداء من المسلحين على الشبكات أو محطات التوليد أو خطوط الغاز، تهمل المناطق المذكورة أعلاه وتكون آخر المناطق التي يصل إليها التيار الكهربائي بعد الإصلاح ويكون ضعيفاً جداً، في حين لا تتجاوز مدة الانقطاع في الأماكن ذات الطبقة الرفيعة الساعات فقط».
تقنين مبهم..
وزارة الكهرباء وشركاتها، لم تعمم هذا العام أية جداول توضح ساعات التقنين كما الأعوام السابقة، وعلى هذا علق المشتكون إن «وزارة الكهرباء لم تكن تلتزم بالجداول حتى قبل الأزمة، وعدم إصدار جداول واضحة في الأزمة يوضح التوزيع الطبقي للكهرباء».
وقال وزير الكهرباء عماد خميس في تصريحات سابقة قبل فصل الشتاء الحالي، إن «التقنين في فصل الشتاء يتبع للتحديات التي نواجهها بشكل يومي ويتبع لمسألة تزويد الوقود التي تعاني بدورها من تحديات»، لذلك «لا يمكن أن نتنبأ بوجود إستراتيجية ثابتة».
ومن جهته، قال مدير كهرباء دمشق عبدالله حنجر في تصريحات صحفية سابقة، أنه «يوجد لدى المديرية جداول محددة لساعات التقنين، إلا أن تعدي المجموعات المسلحة على خطوط الكهرباء فجأة وبشكل متكرر، يحول دون تعميم هذه الجداول».
آلية التقنين المفاجئ
وعلى صفحتها الرسمية على الـ«فيسبوك»، أكدت وزارة الكهرباء السورية إنه «هناك نقص في الوقود بسبب الاعتداء على آبار النفط وخطوط النقل إضافة إلى ارتفاع الطلب على الطاقة الكهربائية خلال هذه الفترة من السنة (فصل الشتاء)، وسبب الزيادة في الاستهلاك هو عامل أساسي وبالتالي يمكن تأمين فقط حوالي 50 % من حاجة المحافظات».
وكشفت الوزارة عن آلية التقنين التي تطبق في البلاد على النحو التالي:
1- تتم المقارنة بين الإنتاج والاستهلاك وفق الوقود المتوفر والفرق بينهما هو العجز الكهربائي «كمية التقنين».
2- يتم تطبيق برامج التقنين على المحافظات كافة لتصل مابين 6 - 16 ساعة في اليوم.
3- المحدد الأساسي «الآخر» لعملية تطبيق التقنين يعود إلى الوضع الفني لخطوط التوتر العالي في المحافظات حسب توفرها، حيث هناك قسم كبير من الخطوط خارج الخدمة بسبب التخريب الذي طالها من المجموعات المسلحة، وهذا ما سبب إرباكاً في تغذية المحافظات كهربائياً.
إضافة إلى الحالات الطارئة أحياناً التي تتعرض لها الشبكة من خروج أي عنصر من عناصر الشبكة من الخدمة والتي تؤدي إلى زيادة ساعات التقنين بشكل مفاجئ.
شبكة رديئة وطوارئ لا تجيب
شكاوى المواطنين استفحلت خلال شتاء العام الحالي، لكنهم أكدوا بأن وضع التيار الكهربائي في سورية يرثى له «قبل بدء الأزمة الحالية»، مضيفين أن «رداءة الشبكة الكهربائية في المناطق العشوائية والريفية وتركها دون تأهيل فاقم الوضع هذه الأيام، بالإضافة إلى عدم متابعة الشكاوى من قبل عناصر الطوارئ، التي لا تجيب على اتصالات المواطنين، ما يؤدي إلى ترك مناطقهم دون كهرباء لأيام، أو استئجار عمال كهرباء خاصين للإصلاح على حسابهم الخاص».
أحد مهندسي الكهرباء، والقائمين على أعمال إعادة تأهيل شبكات الكهرباء في دمشق وريفها، قال لصحيفة «قاسيون» مفضلاً عدم الكشف عن اسمه إنه «هناك مشكلة أساسية في المناطق التي لم تصل إليها مشاريع إعادة تأهيل شبكات الكهرباء وأغلبها المناطق العشوائية، فهي تعتمد على شبكات مهترئة ووضع التيار الكهربائي فيها كان أسوأ من المناطق التي تم تأهيلها قبل الأزمة، وفي الأزمة الحالية تعمق الفرق بشكل كبير».
وأضاف إن «المشكلة الأساسية- بعيداً عن الاعتداءات والأمور الطارئة- هي الفاقد الكهربائي المتمثل بالفرق بين الكمية المولدة والكمية الموزعة، حيث تهدر الأخيرة عن طريق بعض المنشآت الضخمة التي تستهلك الكهرباء بطريقة غير شرعية ودون عدادات رسمية، بالإضافة إلى حالات التعديات على الشبكة- السرقات- في المناطق العشوائية».
مشاريع متوقفة وورش محدودة الإمكانيات
ونوه المهندس إلى أنه «هناك شبكات كهربائية في سورية قديمة ومهترئة وفاقدة لخواصها الفيزيائية، وكانت هناك مشاريع قائمة قبل الأزمة لإعادة تأهيلها، إلا أن الوضع الأمني ساهم في عرقلتها وتوقفها» مشيراً إلى «وجود كبلات رئيسية استهدفت في الأزمة الحالية وليست هناك قدرات لإعادتها إلى الخدمة كون إصلاحها مرتبطاً بنقاط البداية والنهاية، وهي غالباً ما تكون في أماكن متوترة حالياً كالخط المغذي لمنطقة الميدان».
وأوضح أن «سورية شهدت خلال السنوات الـ10 الماضية قفزة ملحوظة في الطلب على الكهرباء، وذلك مع اعتماد المواطنين بشكل شبه أساسي على التدفئة الكهربائية، وكان من المفترض أن تضع الحكومة ضمن استراتيجياتها وسائل وخطط لزيادة إنتاج الكهرباء عن طريق زيادة محطات التوليد والتحويل وتأهيل الشبكات والكوادر المناسبة لمراقبة السرقات وضبطها».
وتابع «إن وزارة الكهرباء وشركاتها لا تملك سوى ورش محدودة الإمكانيات للقيام ببعض أعمال الصيانة المحدودة، في حين تعتمد في أمور ضخمة أخرى على مناقصات مع متعهدين مختصين».
سبب التمييز وضعف الكهرباء
وعن عدم وصول التيار الكهربائي بعد إصلاح الأعطال إلى جميع المناطق أو وصوله بقوة منخفضة، قال الخبير إن «محطات التوليد والتحويل لديها دائماً خطوط بديلة في حال أصاب الخط الأساسي عطل معين، لكن تحويل العمل إليها يحتاج إلى وقت ويتم بالتدريج، فهو أمر ليس بالسهل».
وأضاف إن «وصول التيار الكهربائي بقوة منخفضة بعض الأحيان يكون إما ناتجاً عن الاعتماد على محطات توليد بعيدة عن مكان الاستهلاك، أو الحمل الزائد على الشبكات، وخاصة مع ضعف القدرة الشرائية للمواطنين التي تدفعهم للسرقة، أو اعتمادهم على التدفئة الكهربائية في ظل صعوبة الحصول على مادة المازوت».