أسرانا و”أسيرهم” المزعوم
لم نسمع في كل الحروب التي جرت عبر التاريخ، ولا حتى في الحروب المعاصرة، أن أياً من الأطراف المتصارعة وضع شرطاً مسبقاً بإطلاق سراح أسير ثمناً لإنهاء الحرب، إذ كما هو معروف، فإنه في الحروب التقليدية، إن جاز التعبير، عمليات تبادل للأسرى تتم بعد توقف الحرب أو انتهائها .
لا ندري لماذا قامت الدنيا ولم تقعد بعد إعلان طرف واحد، هو الجانب "الإسرائيلي"، عن اختفاء ضابط في جيش الاحتلال يدعى هادار غولدن، ليتبنى العالم الرواية الصهيونية من دون أي نقاش، على الرغم من عدم إعلان أي من الفصائل الفلسطينية عن عملية الأسر . وحتى لو كان ذلك صحيحاً، فإن عملية الأسر، إن حدثت بالفعل، هي عملية مشروعة، لأنها حدثت في الميدان وعلى أرض المعركة، ولم يتم "خطف" ذلك الضابط وهو يتنزه على شاطئ "تل أبيب" .
أليست مفارقة صارخة ومدهشة أن ينشغل المجتمع الدولي كله، بدءاً من رئيس أقوى دولة في العالم، وحتى أصغر موظف في الأمم المتحدة، بواقعة أسر ضابط كان يخوض في دماء الفلسطينيين، ذبحاً وقتلاً وإعداماً وتشريداً، دون أن يلتفت لحظة واحدة، إلى المجازر الوحشية التي ارتكبتها قوات الاحتلال، وراح ضحيتها في يوم واحد 160 شهيداً، وأكثر من 400 جريح في رفح وأنحاء أخرى من القطاع، رداً على عملية أسر مزعومة لم تتأكد بعد، فيما يقبع أكثر من 6 آلاف أسير فلسطيني في سجون الاحتلال، بينهم نواب وأساتذة جامعات وصحفيون وطلاب، بعضهم أمضى أكثر من 30 عاماً خلف قضبان تلك السجون، وآخرون اختطف معظمهم خطفاً بشتى الوسائل، ولا أحد يفعل شيئاً . ثم أليست مفارقة تستدعي السخرية، ألا ينشغل العالم ولا يتحرك ضمير المجتمع الدولي لسقوط أكثر من 1800 شهيد و10 آلاف جريح، ومحو نصف قطاع غزة من الوجود، منذ بدء العدوان الصهيوني قبل نحو أربعة أسابيع، ولا نرى أي تحرك جدي وحقيقي لوقف هذا العدوان الغاشم، أم أن الفلسطينيين من ذوي دم آخر، قد يتحول إلى ماء، في نظر أغلبية هذا العالم "الديمقراطي" الذي لم يعد يكيل بمكيالين فقط، بل أصبح أسيراً لدى الحركة الصهيونية .
إذن، تتوقف التهدئة التي أعلنها جون كيري وبان كي مون، وتتأجل معها مفاوضات القاهرة، ويستأنف الاحتلال عدوانه الإجرامي الدموي، بينما يتم تحميل مسؤولية خرق الهدنة إلى الفصائل الفلسطينية التي لم تجد أمامها من خيار سوى الدفاع عن نفسها وعن شعبها، بل يذهب كيري إلى حد مطالبة تركيا وقطر، كونهما صديقتين لحركة حماس، للضغط على الحركة من أجل إطلاق الضابط الأسير فوراً ودون قيد أو شرط .
يصحو الضمير العالمي من غفوته فجأة على وقع أسر مزعوم لضابط في ميدان المعركة، فيما يتحول قطاع غزة إلى هيروشيما ثانية، وربما إلى ما هو أكثر كارثية من ذلك، ولا نرى ذلك الضمير يهتز، ربما في تجسيد بليغ وواقعي لبيت الشعر العربي:
قتل امرئ في غابة جريمة لا تغتفر
وقتل شعب آمن مسألة فيها نظر
المصدر: موقع الخليج