نهاية «سايكس بيكو».. والوحوش الملتحية
صادق النابلسي صادق النابلسي

نهاية «سايكس بيكو».. والوحوش الملتحية

القليل من الاكتراث والبحث على محرك (غوغل) الشهير بمستطاعه أن يُخرج لنا عشرات الأسماء المخططة والمساهمة والفاعلة على خط التخلّص من «سايكس ــ بيكو».

برنارد لويس، كارتر، بريجنسكي، وغيرهم ممن ضجت بأسمائهم مراكز الأبحاث والصحف ومواقع التحليل الإخباري مؤخراً، عملوا بلا هوادة منذ عشرات السنين على استدعاء كل عوامل التقسيم واستجرار كل بذور الانشقاق في الأفكار والمصالح والعقائد والهويات التي تحتّم الصدام في سعة لا حدود لمأساويتها. جهد سري ضخم بُذل لإيقاظ العصبيات الدينية والإثنية والأهليّة من سباتها الطويل تحت مسمى «الفوضى الخلاقة» التي أنتجت «ربيعاً عربياً» أنهى بالكامل قرناً من وهم الوحدة العربية. على أنّه منذ الرسمة الأولى للمنطقة على يد الآباء المؤسسين، لم يعرف العرب أي تحوّل ديموقراطي استثنائي يجعل من الكيانات القطرية دولاً ذات مضمون حقوقي إنساني لها منافذ على المستقبل، ومن الدول أمة تامة التطلعات الثقافية والمادية والروحية بحيث لا ينقطع اتصالها باللغة والتاريخ والأرض والزمن. نما العرب وهم مصابون بالاكتئاب والعجز والكراهية الشديدة لكل من البريطاني مارك سايكس والفرنسي فرانسوا جورج بيكو لكونهما السبب في التفسخ والتبعثر والتخلف والاستبداد الذي عاينوا أقبح صنوفه عبر حكام ودّ مظفر النواب أن لم يرهم قائلاً: (يا رب كفى حكاماً مثقوبين)، وأنظمة جرّت ندماً وأعقبت سدماً، جعلت الوطن الممتد من البحر إلى البحر سجوناً متلاصقة سجان يمسك سجاناً! حتى وصل الحال اليوم إلى ما وصل إليه من وحشية وثنية وفظاعات قبائلية ونزعات عنصرية ودموية مفرطة لا ترقى إليها التعابير، أفضت بالنائب وليد جنبلاط أن يُشفق على خريطة لطالما وُجهت سبابات الاتهام لها، ثم ليعلن نيته البحث عن قبرَيْ سايكس وبيكو لقراءة الفاتحة عن روحيهما وروح اتفاقيتهما!

الاتفاقية المشؤومة التي عكست بؤساً عربياً منذ إعلانها عام 1916 صارت اليوم محل ترحّم، وبات كبار القوم من منظري الوحدة العربية لا يعتبرون إثمها جريمة ، فهؤلاء لم يطف في بالهم أنّ الأعراب يمكن أن يصلوا إلى هذا المستوى من الضلال واللعنة، وكأنّه كان ينقص أعضاء المؤتمر القومي العربي الذين اجتمعوا مؤخراً في بيروت أن يرفعوا توصية استثنائية بمنح الرفيقين سايكس وبيكو أوسمة بمفعول رجعي!

في الواقع، ليس ما يحصل في عالمنا العربي من عمليات تفكيك هو يقظة الأقليات التي تبحث عن خصوصية تقاليدها واحترام شخصيتها التاريخية التي يمكن إيجادها وتحقيقها في إطار دولة وطنية تحرص على توسيع قواعد التفاعل والتعايش الثقافي والاجتماعي بين مختلف العناصر المكونة لها، ذلك أنّ جوهر النزاعات يتلخص في العلاقات الاجتماعية القائمة على الغلبة والقهر والظلم، وعلى الحقوق السياسية والاقتصادية التي امتصتها أكثرية تتمتع بسلطة التفوق وتتعامل مع الأقلية بالجشع وضيق الأفق، ومن استمرار نظام الضغوط الخارجية التي لها جميعها فعل هائل في تغيير خرائط المنطقة. الانثروبولوجي الفرنسي ميكائيل بارا، في مقابلة أجرتها معه مجلة (مدارات غربية) منذ عشرة أعوام تقريباً وكأنها أُجريت الآن، توقع للعالم العربي ما يحصل له اليوم.

أ- معارضة الشكل الإقليمي الحالي بمشاريع انفصالية تشجّعها قوى خارجية ترى في التقسيم مزيداً من السيطرة وضمانة لأطماعها الاستراتيجية، ومن ضمنها الحصول على قاعدة أفضل لمصالحها في المنطقة.

ب- كسر البنيات الوطنية سيؤدي إلى إعطاء الأفضلية لانغلاق الخصوصيات المحلية على نفسها.

ج- خطر يهدد بقوة التماسك المعلن للأمم الراهنة.

د- انهيار الدول القوية سيفضي إلى ولادة كيانات مستقلة جديدة.

هـ- إعادة تقطيع الشرق الأوسط المفخخ بتصورات من النوع الإتني والطائفي والتي تتجه لدفع العصبيات نحو ذروتها.

و- الانغلاقات الطائفية لا يمكنها توليد الطمأنينة.

ومع بارا يبدو أننا لن ننتظر طويلاً. يتفق ما قاله مع الأحداث الجارية، ورغم أننا لسنا على عجلة من أمرنا، إلا أنّ نهاية «سايكس بيكو» عليه اللعنة سيظهرنا كعرب مرهفي الإحساس على بلاد تضيع أمام زحف الوحوش الملتحية!

المصدر: السفير

آخر تعديل على الأربعاء, 09 تموز/يوليو 2014 15:10