تحقيقات إخبارية أم تضليل إعلامي فاضح:
د.محمد أشرف البيومي د.محمد أشرف البيومي

تحقيقات إخبارية أم تضليل إعلامي فاضح:

:الإعلام الأمريكي أداة هامة من أدوات الهيمنة لا ينفصل التضليل الإعلامي عن أدوات متعددة أخري مرتبطة بمنظومة الهيمنة الأمريكية فمعظم وسائل الإعلام والمنظمات المسماة بالغيرحكومية، بمافيها الحقوقية والتي نصبت نفسها مسئولة عن رقابة الانتخابات وإعطاء شهادة بارتقاء الانتخابات المصرية للمعايير الدولية، توظف لصالح قوي الهيمنة الغربية.

هذه المنظمات الممولة بشكل مباشر أوغير مباشر من مصادر حكومية غربية تفتقد المصداقية كما ينعكس في تقاريرها من ازدواجية معايير وانحيازات صارخة. لقد تناول العديد من الباحثين  الأكاديميين وغيرهم هذا الموضوع منذ عقود ولكن الجديد في الأمر أن دور الإعلام وهذه المنظمات أصبح علي الملأ و يتسم بالبجاحة والفجاجة وكأن شعوب العالم الثالث تفتقد الوعي والإدراك لدورها المفضوح. سمعنا عن الصحفيين المزروعين مع قوات الاحتلال في العراق وليبيا وأفغانستان فانتهت أي شكوك في الدور المفضوح للإعلام المتواطيء مع المؤسسة العسكرية والسياسة الخارجية وأصبح الباب الدوار الذي يشمل المنظمات الحقوقية والسلطة السياسية معروفا مما دعي 131 من المثقفين الملتزمين والمعروفين، معظمهم أمريكيون، لإارسال خطاب مفتوح لمنظمة هيومان راتس ووتش يطالبها "بإغلاق الباب الدوار أمام الحكومة الأمريكية". أعطي الخطاب أمثلة متعددة لمسئولين في المنظمة كانوا سابقا مساعدين لرؤساء جمهورية أو سفراءأو عاملين بالسي آى إيه!!

 

سداسية كيرباتريك والشيخ في صحيفة النيويورك تايمز الأمريكية

يهدف هذا المقال إلي إظهار مثالا صارخا لتناسق الإعلام الأمريكي مع السياسات الأمريكية نحو الوطن العربي، ومصر خصوصا وكيف أن الإعلام الأمريكي يمثل أداة هامة من أدوات الهيمنة ولا يمكن اعتباره بأي حال من الأحوال إعلاما ملتزما بالحقائق أو مصدرا له مصداقية خصوصا بالنسبة للأحداث في مصر وسوريا وليبيا وقبلها العراق. إن التقارير الاخبارية التي كتبها ديفيد كيلباتريك وزميلته ماي الشيخ علي مدي ستة أيام متتالية بين 25 و30 مايو ليست في الواقع تحقيقات صحفية هدفها تبصير القاريء ببعض الحقائق وبالتالي تكون موضوعية وغير منحازة وملتزمة بالحرفية بل هي تعبير عن رأي كتابها المنحاز وبالتالي فهي تخدع القاريء الأمريكي وتعطيه انطباعا مشوشا ومتطابقا مع السياسة الأمريكية ورغباتها التسلطية ولا تعطي القاريء أدني فرصة لبلورة رأيا موضوعيا. وهذا ليس بجديد فمعظم الإعلام الأمريكي يشكل رأي غالبية المواطنين وبالتالي يجهض أبسط شروط الديمقراطية وضمان حرية الرأي. يلاحظ قاريء الصحف الأمريكية أنها تنشر آراء لعدد مختار من المصريين ولا تسمح لغيرهم بالتعبير عن رأيه، هكذا حرية الرأي في المنظور الأمريكي. أما رأي صحيفة النيويورك تايمز الذي نشر بتاريخ 1 يونية فأهميته كون الصحيفة عموما تعكس بدرجة كبيرة الموقف الرسمي. ما يهمنا في هذا الشأن هو عرض لانحيازات السياسات الأمريكية المناقضة تماما لآمال شعوبنا المتطلعة للسيادة الوطنية والحريات والمعيشة الكريمة والمشاركة في التقدم العلمي والتكنولوجي. علينا أيضا أن ندرك كيف أن عناصر مما يسمي النخبة في مصر تغذي هذه التقارير بالمغالطات والانحيازات أوتستخدم أحاديثهم في غير سياقها.

جاءت عناوين مراسلي النيويورك تايمز ورأي الصحيفة كالآتي: "الرجل القوي الجديد، السيسي يعرف أحسن ... في مدينة مصرية (بنها) ابتهاج وهمس يعبر عن استياء... التصويت الذي بدأ في الانتخابات المصرية يفتقد الحماس.. مصر تحاول بشدة رفع أعداد المصوتين ... أعداد المصوتين يرتفع ولكن الأصوات تثير الشكوك...المراقبين الدوليين يجدوا أن الانتخابات الرئاسية لم ترقي للمستويات (الدولية)".ِِ

 أما رأي الصحيفة فجاء تحت عنوان: "الرجل العسكري القوي الحديث في مصر".

وإذا حاولنا إبراز عناصر الإنحياز الواضح والمغالطات والتناقضات الفجة من خلال تحليل مضمون هذه التقارير ورأي الصحيفة وبالتالي اتجاهات السياسات الأمريكية يمكن إيجاز ذلك فيما يلي:

 

السيسي دكتاتور مصر الجديد!

يريد الكاتب التدليل علي أن السيسي سيكون دكتاتورا فيقول:أن السيسي يحل مشكلة الكهرباء من خلال  "استخدام لمبات الكهرباء الموفرة للطاقة حتي وإن إضطر لإرسال موظفين حكوميين لقلوظة كل لمبة" كما أن السيسي قال أنه "لن يترك الفرصة للناس ان يتصرفوا بارادتهم ... برنامجي ملزم ... إن الأخطار التي تحيط بالدولة المصرية هي اكبر كثيرا من مناقشة قانون التظاهر...أي شخص يقول غير ذلك يريد تحطيم مصر". إن "السيسي وعمره 59 منضبط ومستبد" عنوان جانبي للكاتب : "لا مجال للخلاف". يقول السيسي "يجب أن تكون الدولة متحكمة" مصراً علي أن " الحكومة تخطط وتختار وتنفذ". إن السيسي اظهر من خلال حملته الانتخابية انه يري نفسه "كأب بمنزلة اخلاقية متفوقة وعلية مسئولية توجيه وتصحيح الوطن بيد قوية إذا تطلب الامر" ...    في تسجيل مسرب شبه السيسي المؤسسة العسكرية بالأخ الأكبر والأب الكبير الذي لديه ابن فاشل بعض الشيء ولا يفهم الحقائق ويتطلب منا الصبر أمام انتقادات الجيش. هل نقتل الابن؟ أم نحميه ونقول "سأكون صبورا حتي يتفهم الابن؟"  ويستمر الصحفي في سرد مقولات المرشح السيسي: "تريدون ان تكونوا دولة من الدرجة الاولي ... هل تتحملون أن أجعلكم تمشون علي أرجلكم ...عندما اصحيكم في الخامسة صباحا كل يوم؟ هل تتحملون أن تقللوا من الغذاء وان تقللوا من استخدام التكييف؟...  ناس يعتقدون انني رجل رخو.. سيسي شقاء وعناء" .

يواصل كيلباتريك وزميلته،"السيد السيسي كرئيس المخابرات العسكرية كان مهندس استراتيجية الجنرالات التي استخدمت في انتفاضة  يناير 2011 لمناصرة الناس ضد الرئيس مبارك بينما يضمن استمرارسيطرة الجيش... علق احد المشاركين في مقابلة مع السيسي أن "حلوله تكاد تكون دائما توسيع  قوة (سلطة) الحكومة" ورفع ‘ دور الحكومة إلي الحد الأقصي‘".

وتعليقا علي ما جاء بالصحيفة فنحن لا نجزم بأن السيسي لن يصبح دكتاتورا ولكننا نشك في ذلك لأسباب موضوعية أولها الدستور الجديد الذي يحدد صلاحيات الرئيس ومؤسسات الدولة الأخري ولأن أحد نتائج الانتفاضات الشعبية المصرية هي أن شرائح واسعة من الشعب أصبحت مهتمة بالشأن العام كما أنها ترفض بالمساس بالحريات السياسية كما أن هناك دستور جديد يحد من صلاحيات الرئيس. كما أن هناك فارق كبير بين الحزم والجدية من جهة والإستبداد والقهر من جهة أخري.

 

لغة جسد السيسي

 جاء في المقال :"صوره مع السيد مرسي تظهره في هيئة وكأنه مستسلما، منحني الظهر قليلا  ناظرا الي اسفل وراسه منحنية ويديه بين رجليه ولكن الآن فإن السيسي يقول أنه عارض بشدة مرسي  كما اعترض علي الافراج عن الإسلاميين المتشددين المتهمين من قبل الحكومة الحالية بالعنف كرد فعل قائلا ، إنت (أي مرسي) تفرج علي من سيقتلنا"  يبدوا أن الكاتب يريد أن يصور السيسي كشخص ماكر يستطيع الصبر علي أمور يكرهها حتي تحين الفرصة لتصحيح الوضع والانقضاض علي غريمه. إن كان كذلك وإن كان الأمر متعلق بمستقبل وطن فهذا يحسب للسيسي.

 

"إنقلاب وليس مطلب شعبي عارم لانقاذ الوطن"

يحاول المراسلون التأكيد علي أن الذي حدث انقلاب عسكري: "هو الذي قال للضباط الكبار أن مبارك يستعد لتعيين ابنه جمال كالرئيس الجديد في عيد ميلاده الثالث والثمانين في مايو 2011... تنبا بأن المصريين سيثورون وان الامن المركزي لن يستطيع احتواء الثورة ... وأن مبارك سيطلب المساعدة من الجيش حسب ثلاثة روايات مستقلة تسائل السيسي هل نحن مستعدون؟ حسب رواية هيكل‘هو الذي اقترح علي الجيش الا يؤيد مبارك‘"

 يواصل الكاتبان   "تفجرت الثورة المتوقعة في يناير 2011 قبل الموعد الذي توقعه السيد السيسي بخمسة شهور انطلقت بأحداث تونس  لكن الجنرالات اتبعوا بدقة الخطة التي رسمها ‘انتشر الجيش بسلاسة في 28 يناير 2011 لوجود خطة للنزول للشارع التي قدموها ليستفيد من الثورة كما أضاف السيد حسن نافعة". في رأي الصحيفة أن السيسي كان يطلب من خلال الانتخابات " تفويضا شعبيا ليعطيه الشرعية بعد الانقلاب وموجة القمع".

أقول بوضوح أن إصرار البعض علي أن ما حدث هو إنقلاب عسكري لا يستحق أي تعليق فالأحداث تتحدث عن نفسها فليسموه ما يريدون فالغالبية الساحقة من الشعب المصري سعيدة باستجابة جيشها لمطلبها وكانت ستكون غاضبة بشدة إن لم يلبي طلبها.

 

ضرورة دمج الإخوان سياسيا

في كل مقال من الستة،وكأنها تعويذة وجب تكرارها مرة علي الأقل في كل مقال: "مرسي من الإخوان المسلمين أول رئيس ينجح في انتخابات حرة"  أما رأي الصحيفة فيذكر:"انتصار السيسي (في الانتخابات الأخيرة) تلوثت بقلة المشاركين .... حصل السيسي علي 47 في المائة فقط من الذين يحق لهم التصويت وهم 54 مليونا  مما حرمه من التفويض الذي كان يتطلبه ليعطيه الشرعية بعد الانقلاب وموجة القمع ...المشاركين (47 في المائة) أقل كثيرا من 52 في المائة الذين صوتو عندما نجح مرسي القائد الاسلامي في اول انتخابات ديمقراطية  عام 2012 " يضيف التحقيق بأن "المعزول محمد مرسي وهومن الاخوان المسلمين الرئيس المصري الأول المنتخب بحرية"     تناسي الكاتب تماما  أن  مرسي بعد نجاحه مباشرة أصدر إعلانا دستوريا قلص حقوق معارضيه وبذلك أهدر أبسط قواعد الديمقراطية التي يتغنيان بها.

من المثير للضحك إعتبار أن 47،45 في المائة أقل كثيرا من 52 في المائة علما بأن السيسي حصل علي حوالي 24 مليون بينما حصل مرسي علي أكثر قليلا من 13 مليون صوتا ودلالة هذا التكرار والذي تؤكده تصريحات رسمية أخري أن الإدارة الأمريكية حريصة جدا بأن تستمر الإخوان المسلمين كقوة فعالة في المسرح السياسي المصري تحت ستار المشاركة ولكن الحقائق الحالية والسابقة تؤكد أن الهدف هو استخدام الاسلام السياسي كأداة للعبث بالوطن وضمان عدم الاستقرار.

وعلينا أن نتسائل لماذا تصر المؤسسات السياسية والإعلامية في تناغم واضح علي ضرورة أن تكون الإخوان قوة سياسية فعالة. نعود ونذكر القاريء أن أحد عناصر الاستراتيجية الأمريكية في الوطن العربي هي استخدام قوي الإسلام السياسي كأداة للتدخل والهيمنة خصوصا بعد أن أظهر الإخوان مرونة شديدة علي حساب الثوابت الوطنية تلبية للرغبات الأمريكية، واستغلالها كعامل من عوامل عدم الاستقرار وكما ذكر الأستاذ الجامعي جيمس بتراس "كأداة منع حمل للقوي الوطنية الراديكالية".

 في الجزء الثاني سنوجز ماجاء في هذه التحقيقات والآراء المضللة حول الانتخابات الرئاسية الأخيرة

آخر تعديل على الأربعاء, 18 حزيران/يونيو 2014 13:22