المعونة الأميركية لمصر: شرك التبعية الاقتصادية
جعجعة في الهواء. لعله التوصيف الأدق للتهديدات الأميركية بشأن المعونة لمصر، التي وإن توقف الجزء العسكري منها، إلا أنها لا تزال مدرجة، بالقيمة نفسها، في ميزانيتي 2014 و2015، بانتظار صرفها بعد أن يشهد جون كيري بأن حكام القاهرة الجدد ملتزمون بالمعايير الديموقراطية.
يبدو أن حيرة – المساعدات الأميركية لمصر – لا تزال تشكل أزمة داخل البيت الابيض، لتباين وجهات النظر المؤيدة لصرفها والرافضة لتخصيصها لحكومة القاهرة التي تجاهلت إدارة باراك أوباما.
وزارة الخارجية الاميركية قالت أخيراً إن أوباما علق المساعدات العسكرية لمصر عقب إطاحة الرئيس محمد مرسي المنتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين، وإنه بسبب ضرورة الانتهاء من إقرار ميزانية أميركا لعام 2014، يجب على وزير الخارجية جون كيري أن يؤكد اتخاذ الحكومة المصرية لخطوات حقيقية وملموسة لدعم التحول الديمقراطي قبل إعادة تدفق الدولارات، وهو ما يفسر كثرة ارتياد الوفود الأميركية الممثلة للكونغرس والخارجية وشخصيات مدنية غير رسمية متمثلة في وفود كبار القادة العسكريين القدامى الى مصر للوقوف على نقاط تحديد هوية مصر بعد 30 يونيو 2013.
وقال الدكتور عطية إبراهيم، أستاذ العلوم السياسية في جامعة كاليفورنيا، إن ميشيل دن، مسؤول برنامج الشرق الأوسط في مؤسسة كارنغي، أوضح أخيراً أن كيري «في حيرة من أمره ولا يقوى على اتخاذ قرار بصرف المعونة الاميركية إلا بعد أن يتأكد من أن الإدارة المصرية ستفعل ما تمليه عليها نظيرتها الاميركية، مثلما كان يحدث في السابق».
يضيف إبراهيم، موضحاً سبب الازمة الحقيقية بين مصر وأميركا والتي تؤثر سلباً في مصير المساعدات العسكرية، «أوقفت الإدارة الأميركية توريد 4 طائرات من طراز «Fــ16» كان قد حان وقت تسليمها للقوات المسلحة المصرية بناءً على اتفاق سابق، احتجاجاً على قيام الجيش بعزل الرئيس المنتخب فى 24 تموز 2013. بعدها أوباما في 15 آب من العام نفسه أمر بإلغاء مناورات «النجم الساطع» مع مصر، رفضاً لأعمال العنف ضد المعتصمين المؤيدين لمرسي، وبعدها بثلاثة أيام أعلنت واشنطن وقف المعونات الاقتصادية السنوية لمصر والمقدرة بـ250 مليون دولار، قبل أن يطالب عضوا الكونغرس جون ماكين وليندسي غراهام الولايات المتحدة بقطع مساعداتها العسكرية لمصر لما تشهده من فوضى».
وأشار الى تأكيد أوباما في 23 آب 2013 أن «الإدارة الأميركية تقوم حالياً بعمل تقييم شامل حول العلاقات الأميركية _ المصرية، بما فيها المعونة العسكرية، مستبعداً عودة العلاقات التجارية مع مصر إلى ما كانت عليه في السابق».
ويذكّر إبراهيم بتعهد وزير الخارجية السعودي حيال التزام المملكة بتقديم أي مبالغ مالية تقطعها الولايات المتحدة، وما فعلته الإمارات التي أمدّت مصر بالمبالغ والمعدات والمشاريع التي تقوي على رأب صدع قطع المعونة الاميركية لمصر.
الدكتورة سلوى السمرى، أستاذة الاقتصاد في جامعة الاسكندرية، أوضحت أن «الدلالة القانونية لقطع المعونة الاميركية عن مصر تكمن في قيام الاخيرة بإطاحة رئيس منتخب، وهو ما يرفضه الاميركيون ويطالبون المؤسسة العسكرية بمراجعة موقفها. وما يزيد الطين بلة أن الادارة المصرية تجاهلت هذه الضغوط، وذهبت إلى التحالف مع دول في خط تماس مع أميركا، في مقدمتها روسيا. واتخذت الحرب الاقتصادية مساراً آخر بين الدول الكبار ، فنجد أن الصين وروسيا قررتا منع استخدام الدولار كعملة، ونفاجأ بأميركا تدبر مكائد سياسية لهما في امتدادهما الاستراتيجي، ويمكن أن لدى مصر مصلحة حالياً في السعي لدوام هذه الازمة بين الدول الكبار لأنها مستفيدة منها».
وتوضح السمرى أن «الخطأ الذي وقعت فيه مصر عام 1998 هو أنها وافقت على طلب أميركا بتخفيض المساعدات الاقتصادية لها خلال العشر سنوات من 815 مليون دولار إلى 415 مليون دولار بحلول عام 2008. وقد خطط الجانبان لاتفاق جديد للسنوات العشر المقبلة، ولكن المفاوضات استمرت لسنتين من دون الوصول إلى اتفاق شامل».
ولفتت الى أن «الادارة الاميركية تنصلت من مهمة دعم مصر اقتصادياً، متعللة بحادث 11 أيلول 2001 وقرارها النظر في برنامجها الخارجي لمساعدة الدول. وبحلول عام 2004، ونتيجة للكثير من الضغوط الأميركية في المنطقة، قام الرئيس المخلوع حسني مبارك بتعيين حكومة إصلاحية جديدة برئاسة أحمد نظيف خاضت مفاوضات شاقة مع الولايات المتحدة حول مذكرة التفاهم لإصلاح القطاع المالي المصري. فبدل تخصيص المساعدات المالية بصورة مباشرة لوزارة التعاون الدولي، ارتبطت المساعدات المالية بمقاييس معينة، وخُصّصت بصورة مباشرة لوزارة المالية التي كان لها الفضل في تحديث قطاع مهم في الاقتصاد المصري».
وعن حجم المساعدة التي تستفيد منها مصر جراء تسلمها المعونة الاميركية، قال عبدالخالق إبراهيم، خبير أسواق المال، إنها «تساهم بنسبة ضئيلة في الاقتصاد المصري، فقد كانت تشكل في عام 1979ــ وهو عام بداية المساعدات الأميركية للقاهرة ــ 0.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. وتمثل حالياً أقل من ربع واحد في المئة، وخلال السنوات الماضية كافح أعضاء مجلس النواب الاميركي لربط المساعدات العسكرية لمصر بإجراءات وسياسات معينة يتخذها النظام السياسي، الى أن تمت الموافقة على مشروطية المساعدات الاقتصادية بالإصلاح السياسي ومدى التقدم في إغلاق الأنفاق على الحدود المصرية ــ الإسرائيلية التي يتم من خلالها تهريب الأسلحة إلى غزة». ويضيف أن «البيانات تشير الى أن هيئة المعونة الأميركية خصصت 557 مليون دولار عام 2003 فقط لمصر، منها 200 مليون دولار تحويلات نقدية لتوفير العملة الصعبة للمشروعات الجديدة، وأنها جاءت بالخراب على مصر، وأن 70% منها يعود مرة أخرى إلى الولايات المتحدة، فهي معونة مشروطة». وتابع «اتجهت هذه المعونة في السبعينيات لتطهير قناة السويس وإعادتها إلى الملاحة البحرية، والمساعدة في توفير البنية الأساسية في مجالات الطاقة والمياه والاتصالات وبناء صوامع الغلال. وخصصت في الثمانينيات لتحسين مستوى حياة المصريين، وخاصة في المناطق الريفية، وللزراعة والصحة والتعليم ودعم الجهود المصرية للإصلاح الاقتصادي والتكيف الهيكلي، وإعطاء القطاع الخاص دوراً أكبر في كافة المجالات الاقتصادية، وتحقيق الخصخصة ودخول اقتصاد السوق، وزيادة العمالة والتوظيف عن طريق تقديم القروض للمشروعات الصغيرة. وأعطت في التسعينيات التفاتاً أكثر للجهود الحكومية للإسراع في التنمية الاقتصادية، وبيع القطاع العام وتصفيته وزيادة الصادرات، وكفاءة استخدام المياه، وتحسين الخدمات الصحية والتعليمية، وتخفيض التلوث، ودعم المنظمات غير الحكومية لتلعب دوراً أكثر فاعلية في النشاط التنموي.
وتوزعت هذه المعونات، طبقاً لهيئة المعونة الأميركية، على النحو الآتي: 5.3 مليارات دولار لدعم البنية الطبيعية (المياه ـ الطاقة ـ الاتصالات...) و4.5 مليارات دولار للخدمات الأساسية (الصحة ـ تنظيم الأسرة ـ التعليم ـ الزراعة). و6.2 مليارات دولار واردات مستلزمات الانتاج، و2.8 مليار لتنفيذ سياسات التكيف الهيكلي والاصلاح المالي والاقتصادي، و3.9 مليارات مساعدات غذائية (واردات الحبوب حتى عام 1990). وإلى جانب هذه المعونات الاقتصادية تلقّت مصر 1.3 مليار دولار سنوياً كمساعدات عسكرية».
ولم تزد المساعدات النقدية المباشرة خلال هذه الفترة عن مليار و815 مليون دولار ، بينما خصصت باقي المساعدات (21 مليار و185 مليون دولار) للاستيراد من الولايات المتحدة، مع الأخذ في الاعتبار ارتفاع أسعار البضائع الأميركية وكذلك تكاليف النقل والتأمين مقارنة بأوروبا واليابان. وتم استهلاك ما بين 25% و40% من القيمة الأساسية للمشروعات المنفذة مكافآت لبيوت خبرة أميركية فرضتها هيئة المعونة الأميركية، مع زيادة حجم الاستثمارات الأميركية في مصر، ونقل المعرفة على المستوى التكنولوجي، وإعلان إقامة منطقة التجارة الحرة بين البلدين.
في الوقت نفسه، اقترح أوباما الثلاثاء، 4 آذار الماضي، مشروع الميزانية الفدرالية لعام 2015، الذي يبدأ أول تشرين الأول المقبل، وتبلغ قيمتها 3.9 تريليونات دولار. وتضمنت الميزانية الإبقاء على نفس معدلات المساعدات المقدمة لمصر كما كانت خلال السنوات الماضية. وحدد أوباما في مشروع الميزانية مبلغ 200 مليون دولار للمساعدات الاقتصادية، إضافة إلى مبلغ 1.3 مليار دولار من المساعدات العسكرية، مع تخصيص مبلغ 28 مليون دولار تكلفة قوات حفظ السلام الأميركية في سيناء، وهي التي تقوم بأدوار تتعلق بمراقبة اتفاقية السلام مع إسرائيل ورصد أي خروقات للترتيبات الأمنية المترتبة عليها، مع شمول المساعدات الاقتصادية تحويل جزء منها لدعم عملية الانتقال الديمقراطي السلمي الذي يتضمن دعم حقوق كل المصريين. وتتضمن هذه المساعدات أيضاً برامج دعم التعليم من خلال برامج منح دراسية للفئات المهمشة في مصر، ودعم تحسين قطاع الخدمات الصحية.
ولا تزال نسبة كبيرة من المساعدات العسكرية مجمدة، رغم أن مشروع قرار الميزانية الفدرالية المعدل لعام 2014، والذي كشف النقاب عنه في منتصف شهر كانون الثاني، اشترط شكلياً أن تؤكد وزارة الخارجية والبيت الأبيض التزام حكومة مصر المؤقتة بالسير نحو إعادة الديمقراطية إلى البلاد عن طريق الاستفتاء الشعبي على الدستور وإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية حرة. ونص مشروع قرار الكونغرس على الإفراج عن 975 مليون دولار من المساعدات عقب إجراء إنجاز الاستفتاء على الدستور، ويعقبها 576.8 مليون دولار عقب الانتهاء من الانتخابات البرلمانية والرئاسية.
في انتظار موافقة الكونغرس
أعلنت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية، جينيفر ساكي، أن ميزانية المساعدات الخارجية الثنائية المقررة لمصر للسنة المالية 2014 تبلغ نحو 1.5 مليار دولار. وأوضحت أنها تشمل 1.3 مليار دولار في صورة تمويل عسكري خارجي، و200 مليون دولار في صورة أموال دعم اقتصادي؛ وأكثر من 7 ملايين دولار لبرامج المساعدات الأمنية الأخرى، وتتضمن: التعليم والتدريب العسكري الدولي، والمراقبة الدولية للمخدرات وإنفاذ القانون، ومنع انتشار الأسلحة النووية، ومكافحة الإرهاب وإزالة الألغام والبرامج ذات الصلة. وأشارت إلى أن الجزء الأول الذي سيمضي قدماً من المساعدات عبارة عن 650 مليون دولار من التمويل العسكري الخارجي للسنة المالية 2014، في انتظار إخطار الكونغرس والموافقة عليها.
المصدر: الأخبار