اجتماع في حدود التوقع
لكن تصريحات عباس والناطقين باسمه كانت تؤكد في الفترة الأخيرة أنهم لن يمددوا المفاوضات "ولا دقيقة واحدة".
في الوقت الذي أكدوا فيه مراراً أن إطلاق سراح الأسرى لم يكن مرتبطاً بالمفاوضات، وعلى أساس أن حكومة نتنياهو تفعل ذلك كبادرة "حسن نية"، ومن أجل إسهامها في "بناء الثقة"! وكأن نتنياهو يملك شيئاً من حسن النية، أو كأن حكومات الكيان تعرف سبيلاً لبناء الثقة غير الاستسلام لمطالبها .
وبعد اجتماع أوباما - عباس، أبلغت السلطات "الإسرائيلية" عباس أنها قد لا تنفذ الدفعة الأخيرة من الأسرى، إذا لم يلتزم بمواصلة المفاوضات بعد انقضاء المهلة التي حددها الوزير كيري . وقالت رئيسة الوفد "الإسرائيلي" المفاوض، وزيرة القضاء في حكومة نتنياهو، تسيبي ليفني، في خطاب لها: "لم يكن هناك على الإطلاق التزام تلقائي بالإفراج عن الأسرى دون أن يكون مرتبطاً بإحراز تقدم في المفاوضات" . وأضافت ليفني في ابتزاز واضح: "مفتاح باب الأسرى الفلسطينيين في يدي أبو مازن" . وكان أكثر من وزير في الحكومة قد قال في الأيام القليلة الماضية شيئاً مشابهاً لما قالته ليفني بهذا الخصوص .
أما عما دار في الاجتماع نفسه، فقد وصف صائب عريقات الاجتماع، أمام "مركز ويلسون للدراسات"، بأنه "كان صعباً وطويلاً"، ووصف المباحثات التي تخللته بأنها "كانت جدية وعميقة" . وكان قد قال: "لا أحد غير الفلسطينيين سيستفيد من نجاح أوباما وكيري" . ومن الصعب تخيل معنى الكلمات التي استعملها عريقات، مثل "عميقة" و "جدية"، لكن ما لا يمكن تصديقه هو قوله: "لا أحد غير الفلسطينيين سيستفيد من نجاح أوباما وكيري" . وإنني أتساءل: كيف وجد عريقات "الجرأة"، حتى لا أقول شيئاً آخر، ليقول مثل هذا الكلام، ولمن يقوله؟ ففي الوقت الذي كان فيه أبو مازن يستعد لدخول البيت الأبيض، كان جون كيري يرد على انتقادات بعض الجمهوريين في الكونغرس قائلا: "كل جهودنا في هذه المفاوضات أساسها أمن "إسرائيل" الذي يجب تأمينه، ويشهد على ذلك رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الذي يمكنه إخباركم بأننا فعلنا كل شيء في هذا الاتجاه . . ونحن نعمل معه بشكل وثيق لتحقيق هذا" . هل يريد عريقات كلاماً أوضح من كلام كيري عن هدف المفاوضات التي يترأس الوفد الفلسطيني إليها ليفهم من المستفيد منها .
وفي كلمة له أمام اجتماع "المجلس الثوري لحركة فتح"، سبق ذهابه إلى واشنطن بأيام قليلة، خاطب عباس المجتمعين بقوله: "لقد بلغت من العمر 79 عاماً، ولن أختم حياتي بخيانة الشعب الفلسطيني وقضيته" . وعلى قاعدة "تفاءلوا بالخير تجدوه"، خالف البعض عقولهم ومنطق الأشياء، وكنت من هذا البعض، وتساءلوا إن كان يمكن للرئيس أن يفعلها ويرفض تمديد المفاوضات على الشروط "الإسرائيلية"؟ الآن تبين أنه لم يفعلها ولن يفعلها، وتسويغات ذلك معروفة . فالبعض يذكر "موازين القوى"، والبعض يذكر "المساعدات" الممنوحة للسلطة، والبعض يرى أن الحكومة "الإسرائيلية" مستمرة في إجراءات التهويد وعمليات الاستيطان سواء تواصلت المفاوضات أو توقفت، ولا فائدة من رفض تمديدها .
وفي كل الأحوال، لا يستطيع أي من المراقبين أن يدعي أن مخرجات اجتماع أوباما - عباس كانت خارج التوقعات . ذلك لأن أصل التنازلات موجود في العمق، وقبل "اتفاق أوسلو" الذي لم يكن إلا ثمرة للتنازلات التي سبقته . وبينما تم إلغاء "أوسلو" "إسرائيلياً" منذ أكثر من ثلاث عشرة سنة، ظل أنصاره من الفلسطينيين يتمسكون به، وسيظلون ما دامت "سلطة الحكم الذاتي المحدود" قائمة .
المصدر: الخليج