ماذا عن جوليان أسانج؟
يبدو أن إخراج جوليان أسانج من السفارة الأكوادورية في لندن بات قريباً. إذا حدث ذلك، فإن العواقب على حرية الصحافة وحرية التعبير سوف تتزايد حول العالم لوقت طويل. وليس من الحكمة أن يقلل أي شخص يقدر الحقيقة والحرية من تداعيات ذلك.
لا يختلف أسانج في المضمون عن أي صحفي يعمل في صحيفة رئيسية أو قناة إخبارية. الفرق هو أنه قام بنشر أمور لن يقوم بنشرها بقية الصحفيين لأنهم يريدون البقاء في السلطة. ولن تقوم صحيفة واشنطن بوست بإجراء تحقيق مثلما حصل في قضية "ووترغيت"، حيث ظهرت "ويكيليكس".
ملأت ويكيليكس الفراغ الذي تركته وسائل الإعلام التي خانت تاريخها. وخانت عدداً كبيراً من الصحفيين الذين خاطروا بحياتهم ليخبروا الحقيقة.
جوليان ليس مطلوباً لأنه جاسوس، وليس من أجل ما نشره من مستندات غير ملائمة لبعض الأشخاص. هو مطلوب لأنه ذكي جداً، ما يجعله متقناً لما يفعله. وهو مطلوب ليس لما قد نشره من قبل بل لما قد ينشره في المستقبل.
قام ببناء ويكيليكس كمنظمة اكتسبت الثقة المطلقة لدى الكثير من الناس الذي لديهم القدرة على الوصول إلى الوثائق التي شعروا أنه يجب نشرها. كانوا يعرفون أنه لن يخون ثقتهم. لم ينشر موقع ويكيليكس حتى الآن أي مستند تم الكشف عنه لاحقاً أنه مزيف. لم يتم تغيير أو التلاعب بأي وثائق لأي غرض غير حماية المصادر والأفراد الأخرين.
بنى جوليان أسانج إمبراطورية استناداً على الثقة. ولفعل ذلك كان يعلم أنه لا يستطيع أن يكذب أبداً. حتى أصغر كذبة ستكسر ما قضى الكثير من الوقت في بنائه. لقد كان هاكر ذو إنجازات كبيرة منذ صغره، مما مكنه من بناء شبكات كومبيوتر لم يتمكن أحد من اختراقها. وكان يعرف كيف يجعل كل شيء آمناً.
وبما أن السلطات لم تكن قادرة على وضع أيديها على ويكيليكس أو مصادرها أو زعيمها. فقد بدأت حملة تشويه عملاقة حول تهم الاغتصاب في السويد، وحول العلاقة مع عدو الولايات المتحدة الأول "روسيا". لم تثبت اتهامات الاغتصاب أبداً. ولم يتم استجواب جوليان أبداً من قبل أي أحد من الموظفين السويديين، وهذا ليس مفاجئاً.
كل شيء كان واضحاً منذ البداية، والخطأ الوحيد الذي ارتكبه جوليان هو أنه لم ير التأثير الكامل للحملة ضده. ولكن إذا كانت أكبر وأقوى أجهزة استخبارات في العالم ضدك، وتمكنت من الوصول إلى الأفراد والمنظمات الإعلامية التي على استعداد لنشر الأكاذيب عنك، فاحتمال أنك لن تدوم.
عندما تكون هذه القوى ضدك، فأنت بحاجة إلى الحماية من السياسيين ومن وسائل الإعلام. لم يحصل أسانج على هذه الحماية أو لم تكن كافية. عرضت الأكوادور عليه الحماية، ولكن بمجرد انتخاب رئيس جديد، انقلبوا ضده. إذاً لدينا منظمات إخبارية كانت حريصة على الاستفادة من المواد التي تمكن أسانج من الحصول عليها من خلال مصادره.
إن ما نشرته صحيفة الغارديان اليوم لا يمكن وصفه إلا أنه هجوم على جوليان. فإن الكم الهائل من التلميحات والأكاذيب المباشرة في المقالات أمر مثير للدهشة. وإن الغارديان تجعل من الواضح لماذا هناك حاجة لويكيليكس.
لم توقف السويد تحقيقاتها في الجرائم الجنسية المزعومة لأنها كانت غير قادرة على توجيه الأسئلة إلى أسانج. وقد رفض السويديون ببساطة إجراء مقابلة معه في سفارة الإكوادور في لندن. المكان الوحيد الذي كان يعرف فيه أنه آمن. عندما خسرت كل الاتهامات حول الاغتصاب مصداقيتها، طلبت بريطانيا من السويد عدم إسقاط التهم ومواصلة الضغط.
ليس هناك دليل على وجود علاقات لأسانج مع هاكر من روسيا أو مع الحكومة الروسية. وليس هناك أي دليل على اختراق أجهزة الكومبيوتر التابعة لشركة "دي إن سي" من قبل الروس للوصول إلى البريد الإلكتروني الخاص بجون بوديستا. وقام مورينو رئيس الإكوادور الجديد ببيع أسانج تحت أول ضغط من الولايات المتحدة.
وقد أدانت السويد وبريطانيا والولايات المتحدة "جوليان أسانج"، والآن نقلته الإكوادور إلى الحبس الانفرادي مع انعدام الرعاية الطبية. وكل هذا بدون محاكمة، واعتماداً على مجرد ادعاءات ملفقة وكاذبة. وهذا ينتهك العديد من القوانين الوطنية والدولية.
لا يزال هناك أمل في أن يتدخل فلاديمير بوتين وأن ينقذ أسانج من الظلم الكبير الذي يتعرض له. يتعرض الرئيس بوتين للكثير من الأكاذيب ولكن وراءه أمة قوية.
ما هو أكثر حزناً في هذا كله، هو أن أشخاصاً مثل "تشيلسي مانينغ" و"إدوارد سنودن" و"جوليان أسانج" هم من أذكى الناس في عالمنا. يجب أن نعتز بهم للجمع بين الذكاء والشجاعة والنزاهة، ولكن بدلاً من ذلك ندعهم يتعرضون للمضايقة من قبل حكوماتنا لأنهم يكشفون حقائق مزعجة عنهم.
وقريباً لن يبقى أحد ليخبر هذه الحقائق، أو يقول أي حقيقة على الإطلاق.
تنويه: إن الآراء الواردة في قسم «تقارير وآراء»- بما قد تحمله من أفكار ومصطلحات- لا تعبِّر دائماً عن السياسة التحريرية لصحيفة «قاسيون» وموقعها الإلكتروني