مارتن لوثر كينغ 2| اللاعنف خيار مرحلي
تعريب وإعداد: عروة درويش
حاور دانييل دينفر بروفسوري الدراسات الإفريقية والأمريكية-الإفريقية في جامعة هارفارد براندون تيري وتومي شيلبي:
- عند الحديث عن الجدال مع كينغ بشأن المقاربات اللاعنفية، هل برأيك تمّ تبسيط رؤاه ونظرياته عن اللاعنف، سواء في وقته أو في الوقت الراهن؟ هل بإمكانكما أن تحدثاننا عن الأفكار الحقيقيّة لكينغ حول اللاعنف وعن ارتباطه بالحكمة التقليدية؟
- يتمّ التركيز عند الحديث عن اللاعنف لدى كينغ بشكل هائل على ما يدعى «رسالة من سجن برمنغهام» لاختزال أفكار كينغ بالقول بأنّه يجب عدم إطاعة القوانين الظالمة لأنّها تتعارض بشكل أو بآخر مع القوانين الأخلاقية السامية.
لا بدّ وأنّه فكّر أحياناً بهذه الطريقة، وخاصة في فترات مبكرة من حياته، لكنّه بدأ لاحقاً يشدد أكثر على أنّ العصيان المدني اللاعنفي تبرره البنية الرئيسيّة للظلم الذي يجعل المجتمع السياسي يخفق في القيام بالإصلاحات، وبأنّه ضمن هذا السياق يمكن للأفعال الموجهة لاعنفياً أن تلعب دور أداة الاستنهاض.
يمكن لهذا النهج أن يكون قسرياً، وهو في الحقيقة قسري. فهذه الطريقة يمكن أن تحاول تصحيح أداء النظام الاجتماعي كما ينبغي، أو أن تزيل بعض حالات الاضطراب القائمة فيه، أو أن تخرج على الأقل هذه الاضطرابات إلى السطح وتبدأ بدفع المجتمع الأوسع ناحية الاعتراف بها وبمدى تعقيدها، ثم محاولة حلّها.
- يمكن للاحتجاجات اللاعنفية ضمن منطق معيّن أن تلعب دور ما يسمّى «شرطي سيء وشرطي جيد»، بأنّ تقدم اللاعنف كطريق بديلة لم يرغب بالتجاوب معها عوضاً عن مواجهة أعمال الشغب والعنف المدينية. هلّا بإمكانكما الحديث قليلاً عن هذا.
- لقد تفهّم كينغ مأزق السود في المدن، وإحباطهم جرّاء منعهم من الوظائف الجيدة والمساكن الجيدة وعدم تأمين فرص تعليم مناسبة لهم، وأدرك تماماً كيف يقود مثل هذا الإحباط إلى اليأس. لكنّه كان مصمماً على عدم اللجوء للشغب والعنف لأسباب مبدئية وعمليّة أيضاً. فقد رأى بأنّ الشغب يقدّم الذريعة للقمع السياسي، ويوفر الغطاء للسياسيين لمحاولة عرقلة الكفاح، ويعزل الناس الذين قد يشكلوا حلفاء جيدين للحراك ويجبرهم على إغماض أعينهم عن العنف الذي تمارسه الدولة لقمع الكفاح عندما يحدث.
ادعى نشطاء حركة قوّة السود بأنّ الشغب هو وسيلة لتضمين أفكارهم السياسيّة في الثورة السياسيّة التي سيقودونها. لقد تحدثوا عن الشغب بوصفه مشروعاً سياسياً موضوعياً متماسكاً، وربطوه بفلسفتهم السياسيّة بطريقة يصعب إنجاحها حتّى على مثيري الشغب أنفسهم.
فإن نظرت إلى علم اجتماع الشغب، فستصل لتحليلات مذهلة عند التفريق بين موجات المشاركين المختلفة. فعادة ما يكون هناك مجموعة من المشاركين الذين يبدؤون الانتفاضة، وهم يملكون استجابات مستقيمة على الضيم السياسي المتعلق بتصرفات محددة، وعادة ما يكون الأمر متعلقاً بالمخالفات التي ترتكبها الشرطة. ثمّ ينضمّ أناس آخرون لهذا الشغب مشكلين موجة ثانية ممتدة. لكنّ الموجة الثالثة من المشاركين يكونون عادة أناساً يحاولون الاستفادة من اللحظة الفوضوية القائمة لإصلاح احتياجاتهم وفقرهم الخاص. لا يبدو لي بأنّ ما ينتج عن هذا النوع من الشغب غير القابل للتحول لانتفاضات شعبية كبرى، هو من قبيل الإصلاح السياسي، إنّه شيء مختلف بالمرّة.
الاشتراكية والعدالة الاجتماعية
- لقد كتبتما بأنّ كفاح كينغ من أجل العدالة الاقتصادية كان أكثر تحدياً من مرحلة إلغاء «قوانين جيم كرو» الأولى. هلّا حدثتمانا عن السياسات الطبقية المختلفة هنا.
- لقد رأى بأنّ الحركة الجنوبية في المرحلة الأولى تهتم بشكل كبير في التخلص من قوانين جيم كرو التي منعت الناس من المشاركة في الحياة العامة، ومن القوانين التي حالت دون ممارسة الناس لحرياتهم في تشكيل تجمعات.
لكنّه علم بأنّ المرحلة الثانية تعني التعامل مع قضايا الفقر والتمييز في العمل والبطالة وتهديد الناس في عيشهم والقدرة على الحصول على أعمال غير وضيعة للعيش. يحتاج الناس لمدارس جيدة، ولمساكن جيدة ولحرية الاختيار أين يريدون أن يعيشوا وللقدرة الاقتصادية التي تمكنهم من ممارسة هذه الحريات. يحتاج تحقيق هذا إلى نقل موارد كبيرة إلى الناس الذين تمّ إفقارهم وتهميشهم اقتصادياً في السابق. وإن كنت تريد حقاً أن تسمح للناس بالتساوي فيما يفترض أنّه ديمقراطية، فيجب تمكين هؤلاء الناس اقتصادياً ليتمكنوا من استخدام فرصهم وحرياتهم المتنوعة. ويعني هذا بكل وضوح بأنّ هناك حاجة لتحويل الموارد والمكاسب التي تمّ الحصول عليها في النظام الاجتماعي الجائر، إلى السكان المهمشين والذين لا يملكون.
وتبعاً لأنّ من يملك لا يميل لمنح بعض من موارده بشكل تلقائي، فقد كان حشد الناس لدعم قضيّة التخلص من قوانين جيم كرو أسهل من حشدهم من أجل تحديات المرحلة الثانية.
- ولهذا لم يحقق النجاح المأمول في المرحلة الثانية. لقد حُشر في وضع حرج في شيكاغو، واغتيل في ذات الوقت الذي بدأت فيه «حركة الفقراء» تقلع في مسارها.
- هذا صحيح. لم يكن يطلب من الناس أن يكونوا متفائلين جداً، لكنّه اعتقد بإمكانية تحقيق أهداف الحركة باستخدام مزيج من الإقناع ووسائل الضغط كالمقاطعة والأعمال المخلّة بالنظام والتحالف مع تشكيلة واسعة من اللاعبين الذين يملكون المصلحة في مجتمع أكثر عدلاً.
- لقد تطرّق في خطاباته الأخيرة إلى إيمانه بأنّ ضمان الدخل ليس فقط وسيلة هامّة للتخفيف من الفقر ولنفاذ إعادة توزيع الثروة، بل أيضاً لمناهضة تسليع المجتمع بحيث لا يتمّ قياس مكانة البشر من خلال نجاحهم في سوق العمالة وحسب. يبدو لي هذا الكلام راديكالياً، مع أنكما أصريتما على أنّ كينغ لم يصف نفسه كاشتراكي.
إن استخدمنا المفاهيم الماركسيّة للرأسمالية والاشتراكية، فلا يمكننا عندها أن نقول عن كينغ بأنّه كان اشتراكياً، فهو لم يطالب بإلغاء الملكية الخاصة للأراضي أو للموارد أو للتكنولوجيا أو للتمويل. فهو لم يقل، في الخطابات العامّة على الأقل، بأنّ أجور العمالة هي استغلاليّة بطبيعتها، وهي الأمور التي لا يستوي وصف اشتراكيّ دونها.
أتفهم رغبة بعض الناس باستخدام كينغ لدفع القضايا الاشتراكية قدماً، لكنّه لم يعتمد في خطبه العامّة (هناك الكثير من الأحاديث الخاصة لكن ليس العامّة) على وضع وسائل العمل الاشتراكية في المقدمة. لكن علينا أن نكون حذرين عندما نستحضره بأن نركز على ما قاله فعلاً في خطبه ومقالاته المتنوعة. فلا يمكن اعتبار كينغ اشتراكياً إلّا إن كان بإمكاننا اعتبار الدنمارك دولة اشتراكية. لكنّه ليس اشتراكياً بكل تأكيد وفقاً للتصنيف الماركسي.
- ما الذي يمكن للباحثين وللناشطين أن يقولوه عن كينغ في مسألة الأمل؟
- أنا أتبنى للإجابة عن هذا السؤال مساهمة كورنيل ويست، وذلك جزئياً لأنّه ينظر إلى قضيّة الأمل بطريقة بناءة: فالأمل لدى كينغ لم يكن مسألة إيمان وانتظار الأمور لتحدث. يجب على الأمل أن يكون مدعوماً دوماً بنوع من القوّة الأخلاقيّة، فهو الذي يحافظ علينا في مواجهة المصاعب الهائلة، ويوفّر لنا الطاقة اللازمة لرؤية عالم أكثر عدلاً وسلماً.
فهو يرى بأنّ التباين بين اليأس والأمل يكمن في أنّ القنوط يؤدي للاستياء الذي إمّا يقود إلى التقاعس أو على سلوك دروب انتقاميّة لا تحمل القضيّة الكبرى إلى الأمام.
تنويه: إن الآراء الواردة في قسم «تقارير وآراء»- بما قد تحمله من أفكار ومصطلحات- لا تعبِّر دائماً عن السياسة التحريرية لصحيفة «قاسيون» وموقعها الإلكتروني