مارتن لوثر كنيغ1 | تقدمي أم محافظ؟
تعريب وإعداد: عروة درويش
حاور دانييل دينفر بروفسوري الدراسات الإفريقية والأمريكية-الإفريقية في جامعة هارفارد براندون تيري وتومي شيلبي:
- لقد شددتما في كتابيكما بأنّ مارتن لوثر كينغ لم يؤخذ أبداً كما ينبغي من حيث فلسفته السياسيّة. اشرحا سبب حدوث ذلك، وكيف تمّ تأطير كينغ.
- هناك نزعة عامة لتجاهل دور كينغ كمفكر له أفكاره، والتركيز على دوره داخل حركة الحقوق المدنية، أو حتّى التركيز على جانبه الخطابي فقط، مع الإسهاب في التركيز على دوره داخل الكنيسة وفي اللاهوت. لكن لا يتمّ إيلاء الجانب الفلسفي السياسي لديه حقّه، ولا يحاول الناس استكشاف أفكاره من خلال أعماله المتنوعة في الكتب والمقالات والخطب، وخاصة دوره في صياغة فلسفة سياسية مدعومة بالتقاليد السياسيّة للسود.
إنّها قضية معقدة: فمن ناحية، من الطبيعي عندما تحاول أن تقنع الناس بالتغيير (بغض النظر عن كون هذا التغيير أمراً جوهرياً)، فإنّ عليك أن تعتمد على الأشياء التي يؤمنون بها بالفعل، الأشياء التي يقبلوها ويهللون لها أو يعتبرونها مقدسة حتّى. لقد فعل كينغ هذا، فقد اعتمد بشكل كبير على الكتاب المقدس وعلى إعلان الاستقلال وعلى الدستور الأمريكي وعلى أفكار مألوفة في التقاليد الغربية الواسعة، وهو قصد بهذا أن يعتمد على الأشياء التي كان الناس ملتزمين بها ولو مجبرين أو بالظاهر.
لكن من المهم أن ننظر إلى طرقه الأخرى التي كان يصوغها غالباً بالقول: لندفع نحو «ثورة قيم»، محاولاً أن يشير إلى أنّنا بحاجة لأفكار ومبادئ وقيم ليست موجودة في الدستور على سبيل المثال. لهذا أرى أنّ علينا أن نرسم خطّاً واضحاً بين الاعتماد على مصادر تجعله يبدو وكأنّه مجرّد شخص محافظ، مثل استحضار فكرة الحلم الأمريكي في بعض الحالات، وبين التزامه في ذات الوقت بدفع الأمّة والعالم ناحية اتجاه تقدمي.
- ماذا عن ديناميكيته في العلاقة مع الثقافة الماديّة السياسية الأمريكية. فهو لم يقم بمقاطعتها بشكل كلي، بل اتسم بالديناميكية في القيام بالحسابات التقليدية التاريخية.
- أظنّ بأنّ كينغ كان يتسم بكامل الديناميكية المطلوبة للخروج بأفكار تجعل متطلبات المجتمع بإجراء تعديلات أساسيّة على الدستور أمراً حيوياً، سواء أكانت هذه التعديلات هي ضمان دخل سنوي للبشر أو أطر عمل أكثر اتساعاً مثل المفاوضات الجماعية التي تمتدّ إلى تنظيم الإيجارات وتنظيم حقوق دولة الرفاه، أو حتّى أشياء مثل انتقاد العسكرة التي كان لها تأثير دراماتيكي على كيفيّة تنظيم السطوة في الولايات المتحدة.
- هل تسهّل العنصريّة المنتشرة الفكرة القائلة بأنّ مارتن لوثر كينغ كان لديه كلمات وخطب ولم يكن لديه أفكار؟
- أظنّ أن هذا صحيح. فلا زلنا لا نمنح المفكرين الأمريكيين-الأفارقة أو الملونين الاحترام الذي يستحقونه في الأكاديميات وفي الفضاءات العامة، ولا نراهم سوى أصحاب خطابات ملحقة بأفكار المفكرين البيض.
- ربّما أكثر الاقتباسات المضللة عن كينغ هي تلك التي الأكثر انتشاراً والأكثر خطورة والتي يستمرّ المحافظون باستخدامها هي ما يقال بأنّه حلم كينغ بمجتمع مصاب بعمى الألوان. هلّا شرحتما لي عن هذا الأمر، لأنني أرى بأنّه سلاح فتّاك بيد اليمين.
- لأنّ لكينغ مكانة كبيرة في مجمع الأبطال الأمريكيين، ولأنّ الناس لا يعرفون أفكار كينغ بشكل جيّد أو يظنون بأنّه لا يملك فكراً كي يتعرفوا عليه، كان بإمكان الاستيلاء الساخر على إرثه أن يصبح فاعلاً. ويرضي هذا الاستخدام غرور الأشخاص الذين يستخدمونهم لأنّهم لا يريدون أن ينظروا لأنفسهم بأنّهم عنصريون أو يساهمون في الظلم العرقي.
لكن وبكل تأكيد، عندما تنظر إلى أفكار كينغ الحقيقية، فليس هناك جدل في أنّه سعى لمجتمع رحيم تزدهر فيه الشبكات الاجتماعية والفرص دون أن تتم هيكلتها بشكل عرقي، وبالتأكيد دون نظام طبقات عرقي. لقد أدرك بأنّ الوصول إلى أيّ شيء شبيه بهذا يوجب عليك أن تلجأ إلى الطرق الحقيقية المؤدية هناك. فقد رأى حاجة لطرح المسائل المتعلقة بتصحيح العيوب التاريخية الموروثة. رأى حاجة لمقارعة التمييز عبر الحكومة الفدرالية وعبر الحكومات المحلية. رأى حاجة لإنشاء فضاء عام نشط ومجتمع مدني منظم يدور يقارع الإذلال والتمييز الممنهج في مجال الإسكان ودولة الرفاه وأشياء كهذه.
حتّى رؤى الاندماج لدى كينغ كان لديها أسنان حادّة. يستمرون باقتباس مشهد كينغ وهو يقول «لديّ حلم» أثناء إمساك الأيدي بعضها ببعض، لكنّ كينغ دعا لاقتلاع الحدود في الحواضر المدنية ولإعادة التنظيم الجذري للنظام التعليمي وللتمويل البلدي ولوسائل النقل العامة ...الخ، وذلك من أجل تحقيق التكامل الأقصى الحقيقي، ولتسهيل تحقيق العدالة في المجتمع الأمريكي.
إنّ رؤى كينغ الراديكاليّة هذه تختلف بشكل جذريّ عن الصورة المغلوطة المحافظة عنه، لكن لن تجد صورته الحقيقية أرضيّة تعكسها دون وضع كينغ في سياقه المناسب. وقد كتبت المنظرة السياسيّة دانييل آلن بإسهاب عن الجوانب الراديكاليّة لرؤى كينغ عن الاندماج. فقد بيّن دوماً أن الاندماج الحقيقي يجب أن يتضمن مشاركة السطوة السياسية والاقتصادية. فالأمر لا يدور فقط حول أن تكون لطيفاً مع أعضاء المجموعات العرقية، بل يدور حول الإسهام في المجتمع بشكل يسمح لأعضاء هذا المجتمع بالمشاركة بشكل متساوٍ في الحكم وفي كيفيّة توزيع الموارد الاقتصادية وكيف تستعمل لتحقيق الغايات المطلقة.
لم يقصد كينغ بالاندماج مجرّد الفكرة المثالية عن التنوع، فهو لم يرد فقط وضع الناس من الأعراق المختلفة مع بعضهم البعض في مكان واحد أو مؤسسة واحدة. لقد كتب كينغ مقالاً فصّل فيه كيفيّة تحقيق الاندماج بشكل دقيق، وكتب أنّ هذا ممكن فقط عبر تقوية المجموعات العرقية التي كانت مهمشة وتابعة من قبل كي تتمكن بشكل فعلي من الاندماج والتقدّم.
- أريد أن أسأل عن التحدي الذي شكلته حركة «قوّة السود» لكينغ. هل يمكنكما أن تشرحا لي القليل عن هذا الجدال.
- إنّ هذا الجدال واسع بحق، وهناك الكثير من الانتقادات التي تعرّض لها كينغ من حركة قوّة السود. لكنّ أغلب الجدل كان يشكك في مقارباته اللاعنفية ويعتبرها ذات تأثير سيء على ما أعتبره شخصياً حسّ الكرامة واحترام الذات. وأظنّ شخصياً أنّ كينغ كان محقاً برفض وعدم الاهتمام بهذا النوع من الانتقاد. فالبعض يقول بأنّ كينغ كان يخشى ضمنياً، وهو ما دفعه لتبني مقاربات لاعنفية، من حدوث انتفاضة للسود تنطلق من الأسفل. لكن برأيي حتّى لو صحّ ذلك، فما كانت انتفاضة من الأسفل لتغيّر الأشياء نحو الأفضل. فالظرف كان يحتاج حركة لا عنفية مثل التي تبناها كينغ من أجل تحقيق المكاسب وإدارة المخاطر.
- هل لهذا علاقة بمشكلة الأغلبية؟
- هناك مشكلة أغلبية، وهناك مشاكل أخرى. فإن كنت في لحظة سياسيّة في مجتمع موصوم بالظلم العرقي، فلن ترغب في منح أعدائك الأكثر رجعية: العنصريون البيض، الغذاء اللازم للتجييش، فيشنوا حملة قمع وكبت ضدّ كامل مجتمعات السود. سيكون عليك أن تحاول الحفاظ على أرضيّة أخلاقية عالية بقدر ما تستطيع، فإن تحول مسار الأمور ليصبح حرباً معلنة يكون فيها الجميع ضدّ الجميع، فمن المحتمل ألّا يستطيع السود النجاة من هكذا نوع من الجنون.
مع هذا، كان كينغ داعماً شديداً للكثير من الدعاوى التي تطلقها «قوّة السود»، مثل فكرة أهميّة تعزيز الافتخار العرقي، رغم تحذيره من تحولها إلى نوع من الشوفينيّة. لقد آمن، مثل قوّة السود، بأنّه من المهم جداً تنظيم تصويت السود، وإنشاء مؤسسات سوداء، لكنّه شدد على أنّ هذا لا يجب أن يتمّ بشكل يعزل السود عن التحالف مع المجتمع الأوسع، فهو لم يرد أن تضيع حقيقة أن الاقتصاد السياسي ينسحب على الجميع وليس ذو صبغة عرقية وحسب.
تنويه: إن الآراء الواردة في قسم «تقارير وآراء»- بما قد تحمله من أفكار ومصطلحات- لا تعبِّر دائماً عن السياسة التحريرية لصحيفة «قاسيون» وموقعها الإلكتروني