ما الجديد لدى الـ1% الأكثر ثراءً؟
نايلز نيموث نايلز نيموث

ما الجديد لدى الـ1% الأكثر ثراءً؟

يوثق التقرير الأول حول اللامساواة في العالم الذي نشره مجموعة من الاقتصاديين ارتفاع الدخل العالمي اللامساواة في توزيع الثروة منذ عام 1980.

تعريب وإعداد: جيهان الذياب

ويغطي التقرير الفترة حتى عام 2016، مهملا العام الماضي، حيث ارتفع سوق الأسهم بناءً على توقعات بأن الولايات المتحدة سوف تسحب تخفيضات ضريبية ضخمة، مما أضاف مكاسب غير متوقعة للأغنياء.

وخلص التقرير إلى أن أغنى أغنياء سكان العالم في الفترة بين عامي 1980 و 2016 قد استحوذوا على ضعف معدل نمو الدخل للنصف الأقل دخلاً من سكان العالم، مما أسهم في ارتفاع نسبة اللامساواة على الصعيد العالمي.

وتظهر البيانات أن نسبة 0.1 % من أغنياء العالم وحدها استحوذت على معدل نمو أكبر من النصف الأقل دخلاً في العالم، وهناك 0.001 % منهم، ويمثلون76000 شخص في جميع أنحاء العالم، استحوذوا على 4 % من معدل نمو الدخل العالمي. وفي الوقت نفسه، المناطق التي نسبتها ما بين 50-99 % من سكان العالم والتي شهدت زيادة في معدلات الفقر الحاد هي  ذات نسب الدخل الأدنى من جميع أنحاء العالم، والتي يشير إليها التقرير على أنها "الـ90 % من القاع المسحوق في الولايات المتحدة وأوروبا الغربية"، والتي تشمل الطبقة العاملة في الاقتصادات المتقدمة في العالم.

ويستند التقرير إلى البيانات الضريبية والمعلومات المالية الأخرى التي تم جمعها من أجل قاعدة بيانات الثروة والدخل العالمي من قبل أكثر من مئة باحث في سبعين بلدا. وهو يبين أن عدم المساواة في الدخل قد ارتفع أو ظل مستقرا في كل بلد.

بالإضافة إلى ذلك، وجد التقرير أن تمركز الثروة في أيدي أغنى واحد بالمئة من سكان العالم قد ارتفع بشكل حاد، وخاصة في الولايات المتحدة وروسيا والصين.

 في الولايات المتحدة، ارتفعت حصة الثروة التي يحتكرها هؤلاء الأغنى واحد بالمئة من 22 % في عام 1980 إلى 39 %، أما في الصين فقد تضاعفت النسبة من 15 % الى 30 %، وفي روسيا انتقلت من  22% إلى 43 %.

أما من حيث الدخل، استحوذ العشرة بالمئة الأوائل على 37 % من الدخل القومي في أوروبا و 41 % في الصين و 47 % في الولايات المتحدة وكندا و 54 % في أفريقيا الواقعة جنوب الصحراء الكبرى و 55 % في البرازيل والهند و 61 %في الشرق الأوسط.

ومن الجدير بالذكر أن روسيا، عندما كانت لا تزال جزءا من الاتحاد السوفيتي، كان لديها أدنى مستوى من التباين في مستوى الدخل في عام 1980. وكانت من العشرة الأوائل التي كانت نسبة نمو الدخل فيها 20 %. ولكن بعد انحلال الاتحاد السوفيتي في الفترة 1990-1991، أصبح هناك ارتفاع حاد في اللامساواة في توزيع الدخل حيث وصل نصف الدخل القومي إلى العشرة في المئة في أقل من خمس سنوات.

 وصلت روسيا الآن إلى التكافؤ مع الولايات المتحدة، وعادت إلى مستويات اللامساواة في توزيع الدخل التي سادت منذ قرن مضى تحت حكم القيصر.

ويظهر التقرير أيضا أن هناك تبايناً كبيراً في مستويات اللامساواة بين الولايات المتحدة وأوروبا منذ عام 1980، عندما حاز الواحد في المئة على 10 % من الدخل في كلا الإقليمين. واعتبارا من عام 2016، حاز أعلى واحد في المئة في أوروبا على 12 % من الدخل، في حين تضاعفت حصتهم في الولايات المتحدة إلى 20 %.

أما النسبة للواحد بالمئة والنصف االأقل دخلا من السكان الأمريكيين فقد انقلبت المواقف بشكل أساسي. ففي حين أن نسبة 50 % الأقل دخلاً تلقوا 20 % من الدخل القومي في عام 1980، إلا أن هذا الرقم انخفض بشكل مطرد إلى 13 % فقط بحلول عام 2016. وعلى العكس من ذلك، زادت النسبة الأولى بنسبة مطردة من استحواذها على الدخل القومي، من 10 % إلى 20 % خلال أقل من جيلين .

أما متوسط ​​الدخل السنوي للنصف الأقل دخلاً من سكان الولايات المتحدة، المعادل للتضخم،  فقد بقي عند 16500 دولار على مدى السنوات الأربعين الماضية، في حين أن الواحد في المئة الأعلى دخلاً تضاعف متوسط ​​دخله ثلاث مرات من 430 ألف دولار إلى 1.3 مليون دولار.

ويشير مؤلفو التقرير في مقال نشرته صحيفة "الجارديان" إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية تعتبر من أوائل الدول في الاقتصادات المتقدمة التي ترتفع فيها معدلات التباين في الدخل والثروة على مدى العقود الأربعة الماضية التي تطورت إلى "عصر ذهبي ثان" بالنسبة لهم.

ويعزو المؤلفون الفرق الكبير بين الولايات المتحدة وأوروبا إلى "عاصفة كاملة من التغيرات السياسية الجذرية" في الولايات المتحدة. وهم يطرحون بأن نمو التباين في الدخل في الولايات المتحدة قد تفاقم بسبب عدد من العوامل، بما في ذلك نظام ضريبي أصبح أقل تقدماً على مر الزمن، وحد أدنى للأجور لم يواكب التضخم، وانكماش عمل النقابات، وإلغاء الضوابط المالية والصناعة، وعدم المساواة في الحصول على التعليم العالي على نحو متزايد. وهم يحذرون من أن التخفيضات الضريبية للجمهورية ستؤدي إلى "ازدياد" التباين في الدخل.

ورغم محتواه الصاعق، فقد دفنت وسائل الإعلام آخر تقرير عن التباين في مستوى الدخل ، وتحول إلى عنوان صغير في قسم يوم العمل في صحيفة نيويورك تايمز ونشر أسفل الصفحة الأولى للجارديان في قسم الأخبار العالمية. إن الطبقات الحاكمة في الولايات المتحدة وأوروبا وأماكن أخرى لا تريد الحديث عن المستوى الهائل والمتزايد باستمرار من اللامساواة الاجتماعية في جميع أنحاء العالم.

ويجري تجاهل التفاوت الاجتماعي في الولايات المتحدة وتغطيته من قبل النظام السياسي. ويركز الديمقراطيون تركيزاً كاملاً على قضايا الجنس والحملة المناهضة لروسيا، حتى عندما يقوم الجمهوريون بوضع اللمسات الأخيرة على التخفيضات الضريبية للشركات والأثرياء بحلول نهاية العام.

ومع ذلك، تحت سطح الحياة الرسمية، فإن الصراع الطبقي آخذ في الازدياد. ويكشف تقرير اللامساواة في العالم عن تناقضات النظام الرأسمالي التي تنعكس في كل بلد.

وفي ختام التقرير، يشير أصحابه إلى قرارات السياسة التي يمكن اعتمادها لعكس اتجاه اللامساواة الاجتماعية، مما يعزز الوهم بأن التوزيع العادل للموارد يمكن تحقيقه في ظل الرأسمالية من خلال مختلف تدابير الإصلاح الليبرالية، ويناشد الحكومات الرأسمالية أن تسن تدريجيا التدابير الضريبية.

ومع ذلك، لا يوجد فصيل "إصلاح" في الطبقة الحاكمة. وقد حصلت الزيادة في نسبة اللامساواة في الولايات المتحدة تحت حكم كل من الديمقراطيين والجمهوريين، بمساعدة وتحريض من قبل نقابات العمال. وفي أوروبا، تتحرك النخب الحاكمة بسرعة للحاق بالولايات المتحدة من خلال تنفيذ تدابير "إصلاح" العمل، وتدمير البرامج الاجتماعية وإعادة توزيع الثروة على الأغنياء.

ولم يكن رد الطبقة الحاكمة على المعارضة الاجتماعية المتنامية هو الإصلاح، بل القمع. فالتحرك ضد اللامساواة يتطلب بناء حركة اشتراكية للطبقة العاملة العالمية على أساس برنامج اشتراكي لتستولي على ثروات الشركات والمؤسسات المالية، وتحول المصارف والشركات العملاقة إلى مرافق شعبية ذات حكم ديمقراطي، وإعادة تنظيم الحياة الاقتصادية على أساس الحاجة الاجتماعية.

تنويه: إن الآراء الواردة في قسم «تقارير وآراء»- بما قد تحمله من أفكار ومصطلحات- لا تعبِّر دائماً عن السياسة التحريرية لصحيفة «قاسيون» وموقعها الإلكتروني