تناقضات خطاب ترامب حول الأمن القومي
ماذا يمكن أن نستنتج من خطاب ترامب حول الأمن القومي؟ أولاً وقبل كل شيء، هذا الخطاب هو خطاب المجمع الأمني العسكري، ويتعارض مع نية ترامب لتطبيع العلاقات مع روسيا.
قام المجمع الأمني العسكري، مستخدماً منصب ترامب كرئيس، باعتبار روسيا والصين كقوى رجعية تسعى لتقديم مصالحها على مصالح واشنطن، وتم اعتبارها كذلك لأن تحقيق مصالحها يحد من هيمنة واشنطن.
ويمكن القول بعبارة أخرى أن واشنطن لا تعترف بشرعية مصالح دول أخرى إذا كانت هذه المصالح تتعارض مع مصالحها. فكيف يمكن لترامب أن يتوقع التعامل مع روسيا والصين عندما يقرأ خطاباً يقول إن روسيا والصين تسعيان إلى " تشكيل عالم يتنافى مع مصالحنا وقيمنا ".
ويُقصد بكلمة "قيمنا"، سيطرة واشنطن.
يبدأ ترامب خطابه بتكريم الجيش والشرطة وقوى الأمن الداخلي، ورئيس هيئة الأركان المشتركة. وبعبارة أخرى، تعني كلمة "أمريكا أولاً" هيمنة واشنطن على المواطنين والدول الأجنبية.
ويختبئ ترامب بعد ذلك بعباءة الشعب الأمريكي الذي "صوت لجعل أمريكا كبيرة مرة أخرى"، حسب قوله.
يستأنف ترامب خطابه بالحديث عن خط اللوبي الإسرائيلي، والصفقة السيئة مع إيران، ويؤكد أن الإدارات السابقة كانت تتسامح مع داعش. ولكن هي في الحقيقة التي خلقت تنظيم داعش وأطلقته في ليبيا وسوريا.
ثم ينتقد حماية البيئة، ويشكو من الأجانب غير الشرعيين، بينما يتجاهل اللاجئين الذين دخلوا أوروبا نتيجة حروب واشنطن المختلفة.
يتهم ترامب أسلافه، في عهد احتفال المحافظين الجدد بالهيمنة العالمية الأمريكية، بإضاعة الثقة بأمريكا. عندما تستند السياسة الخارجية لبلد بأكمله إلى افتراض أنه بلد استثنائي لا غنى عنه، فكيف يكون هذا فقداناً للثقة؟ إنها غطرسة كبيرة.
ثم يدّعي ترامب أن الأمريكيين حكموا أمتهم مرة أخرى من خلاله.
ويقول أيضاً أن واشنطن تخدم المواطنين. ولكن بالنظر لفاتورة الضرائب ستجد أن حصة المواطنين منها واحد بالمئة فقط.
وقال إنه سيجعل أمريكا أولاً، وسيزودها بمزيد من المال من أجل الجيش.
يلقي ترامب بعد ذلك اللوم على إيران في قضية الإرهاب، ولكنه لا يذكر دعم المملكة العربية السعودية للتطرف، ولا يذكر أيضاً تشجيع المجمع الأمني العسكري الأمريكي للإرهاب كسلاح ضد إيران وروسيا، وكذريعة للقوة وللميزانية الضخمة.
ثم يدّعي ترامب أن له الفضل في الانتصار السوري الروسي على داعش. وقد أُثبت أن واشنطن تدعم وتمول داعش. وإن ادعاء ترامب أكثر سخافة من الادعاءات السابقة لنظام أوباما بأن الولايات المتحدة هزمت الحزب النازي. ولكن روسيا هي من فعلت ذلك في الحقيقة.
يطالب ترامب بعد ذلك الدول التي يدافع عنها، بدفع المقابل. أية دول يقصد ترامب؟ وضد من تدافع أمريكا عنها؟ يقصد ترامب في كلامه أوروبا وكندا وأستراليا وإسرائيل واليابان. فهل تدافع واشنطن عن هذه الدول ضد روسيا والصين وكوريا الشمالية وإيران، أم ضد الإرهابيين الذين صنعتهم واشنطن وزودتهم بالسلاح والإمدادات للإطاحة بسوريا وليبيا؟
وعلى ما يبدو فإن بعض المنظمات الإرهابية التي أنشأتها وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، بدأت تخرج عن سيطرتها وتقوم بعمليات من تلقاء نفسها. لذلك يمكن القول إن واشنطن هي حكومة تخلق أعداءها بنفسها.
ويتفاخر ترامب بالعقوبات التي فرضها على النظام الكوري الشمالي. ولم يذكر أن واشنطن امتنعت عن أي معاهدة سلام مع كوريا الشمالية منذ الخمسينات وأراهن أنه لا يعلم ذلك، وأبقت واشنطن على وضع الحرب مفتوحاً لمدة 64 عاماً. وبعد أن رأينا مصير ليبيا والعراق وأفغانستان وسوريا والصومال وغيرها من الدول، ليس من الغريب أن تسعى كوريا الشمالية لامتلاك الأسلحة النووية.
ويقول ترامب إن واشنطن ستتخذ جميع الخطوات اللازمة لمنع كوريا الشمالية من تهديد العالم.
يطلق ترامب بعد ذلك الدعاية بأن البطالة دائماً منخفضة، وسوق الأسهم دائماً مرتفع. لذلك فإن السؤال هو: مما سينقذ ترامب أمريكا الوسطى إذا كانت البطالة منخفضة دائماً؟ وماذا حدث في قضية ترامب حول معارضة العمل في الخارج؟
يكرر ترامب الأكاذيب لأنها تجعله يبدو جيداً. وما يجب على ترامب فعله هو فهم بأنه لا معنى لكلمة معدل البطالة، فهي لا تشمل جميع العاطلين عن العمل، بل فقط أولئك الذين بحثوا عن وظيفة في الأسابيع الأربعة الماضية. ويجدر الإشارة إلى أن سوق الأسهم ليس دليلاً على نمو الاقتصاد، بل يدل على إنشاء أموال ضخمة من قبل البنوك المركزية في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة واليابان.
يقول ترامب إن استراتيجيته هي الحفاظ على السلام باستخدام القوة. ما هو السلام الذي يتحدث عنه؟ فقد دمرت أمريكا في العقدين الماضيين ثمانية بلدان بشكل كامل أو جزئي، وأطاحت بالحكومات الديمقراطية في بلدان أخرى. فهل ترامب يرى حروب واشنطن تصنع السلام؟ لم يبادر أي بلد بحروب وغزوات وتفجيرات وأعمال عسكرية وعدوانية على حدود بلدان أخرى كما فعلت أمريكا. ويقول ترامب أن أمريكا مهددة من قبل الأعداء وأنه سيتم توسيع الجيش لحمايتها.
تنويه: إن الآراء الواردة في قسم «تقارير وآراء»- بما قد تحمله من أفكار ومصطلحات- لا تعبِّر دائماً عن السياسة التحريرية لصحيفة «قاسيون» وموقعها الإلكتروني