لا تسلّم الحريّة لأحد على طبق من فضة
حوار مع ويندي غولدمان، مؤلفة كتاب: «النساء والدولة والثورة».
تعريب: عروة درويش
نحتفل هذا العام بالذكرى المئوية للثورة الروسية. لماذا هذه الثورة مهمّة جداً من وجهة نظرك؟
تولّى السوفييت السلطة في تشرين أول 1917، وحلّت محل الحكومة المؤقتة التي استولت على السلطة بعد تنازل القيصر. لقد كان السوفييت هم أول هيئة منتخبة بشكل ديمقراطي في روسيا، والتي مثّلت العمّال. لقد كانوا مثالاً على «الديمقراطية المباشرة» حيث دان المندوبون السوفييت بانتخابهم بشكل مباشر للعمّال والفلاحين والجنود على الجبهة، والذين انتخبوهم كممثلين عنهم. لقد كانت الثورة الروسيّة هي أوّل ثورة يستولي فيها العمّال على السلطة ويحافظون عليها في بلد بأكمله.
لقد هدفوا على الفور لتغيير علاقات الملكية والسيطرة، وأنشأوا طريقة جديدة للحياة سوف تعود بالنفع على العمّال. استولى الفلاحون على الأرض من النبلاء وأعادوا توزيعها وفقاً لحجم الأسرة. استولى العمّال على المصانع. بدأ الناس في كلّ مجالات الحياة يعيدون التفكير في كيفيّة تنظيم حياة أفضل وأكثر حريّة. كانت هناك العديد من التجارب الرائعة في مجالات التخطيط الاقتصادي والقانون والتعليم والفنون، بالإضافة إلى التغييرات الأساسية في الحياة الماديّة. أطلقت الدولة السوفييتية في نهاية العشرينيات أول خطّة خمسية، وهدفت فيها إلى تصنيع وتنمية البلاد. لقد كانت أول مثال على التطور الذي لم يدن بوجوده لرأس المال الأجنبي ولمصالح طبقة الأثرياء.
لدى الثورة الروسية الكثير من الدروس لتعلمنا إياها اليوم. علينا أن نوجه الأسئلة التالية لأنفسنا: أين أخطأ الثوّار؟ كيف تحوّلت الثورة عن أهدافها الديمقراطية؟ كيف يمكن إدارة التنمية بشكل أفضل وخاصة في العلاقة بين البلدة والدولة؟
يجب أن تتم دراسة الثورة الروسية من قبل جميع المهتمين ببناء مستقبل أفضل لا عمل وفقاً لمبادئ الربح. إنّ فكرة التخطيط بالتحديد مثيرة للاهتمام بشكل خاص بالنسبة لملايين الناس الذين عانوا من دورات الكساد والفقاعات المزمنة في الرأسمالية، ومن تدمير عالم الطبيعة.
في كتابك «المرأة والدولة والثورة»، تلخصين المكاسب التاريخية التي حظيت بها النساء أثناء حقبة ما بعد الثورة. ما هي الانتصارات الرئيسيّة التي حظيت بها النساء خلال تلك الحقبة؟
جاء البلاشفة إلى السلطة ببرنامج رئيسيّ لتحرير المرأة، استند إلى أربعة مبادئ: حرية التجمّع وتحرير المرأة عبر الاستقلال الاقتصادي والاشتراكية في أعمال المنزل والاختفاء الحتمي والتدريجي للأسرة الأبوية. وقد حولوا هذا البرنامج إلى قانون على الفور. لقد كانوا أول بلدٍ يقرّ بالمساواة الكاملة بين النساء والرجال، مع الحق بالطلاق والإجهاض المجاني في المشافي والعيادات. كانت فترة العشرينيات صعبة مع ارتفاع معدلات البطالة والكثير من الأطفال المشردين والاقتصاد المتداعي جرّاء سنوات الحرب والحرب الأهلية الطويلة.
لكن بحلول عام 1930، وباعتماد الخطة الخمسيّة الأولى، انتعش الاقتصاد ولم يعد هناك بطالة في جميع أنحاء البلد. وتحوّلت النساء إلى قوّة عاملة بأرقام قياسية. بدأ الناس بالدراسة والتعلّم. أصبح الفلاحون عمّال، وأصبح العمّال غير المهرة عمّال مهرة، وأصبح العمّال المهرة مهندسين ومديرين. لقد كانت فترة الفرص الكبيرة والحركية الاجتماعية الصاعدة. لم يحدث في أي بلد في العالم أن أصبحت النساء قوّة عمالة صناعيّة مأجورة في مثل هذا الوقت القصير جدّاً. دخلت كتائب التحديد الجنسي المكونة من النساء إلى المصانع والمناجم من أجل تعيين الوظائف التي يمكن للنساء القيام بها. لقد هدفوا إلى فتح الطريق أمام النساء لشغل الوظائف التي تتطلب مهارات عادية ومهارات عالية التي كانت محجوزة يوماً ما للرجال فقط. لقد نجحوا في كسر العديد من العوائق التي تواجه قوى العمل. تمّ إنشاء مطاعم عامّة ومراكز نهارية لرعاية الأطفال وتمّ إنشاء الغسالات العمومية من أجل تحويل الأعمال المنزلية إلى اشتراكية. لقد بدأت العلاقات بين الرجال والنساء بالتغيّر.
كيف تمكّن الاتحاد السوفييتي من تحقيق هذه الانتصارات في الظروف التالية للحرب، مع أغلبية فلاحية ومستوى عال من الفقر؟ ماذا كان دور الحزب البلشفي في هذه العملية؟
يجب أن نفهم بأنّ الاتحاد السوفييتي لم يكن دوماً ناجحاً في مساعيه. لقد جعلت العوائق، مثل الفقر والمستوى المنخفض من التعليم ونسب البطالة العالية والاقتصاد المهدم في العشرينيات وعلاقات الأرض والأبوية الفلاحية ونقص التمويل لدى الحكومة، إدراك الكثير من الأهداف السامية أمراً صعباً. لقد لعب الحزب البلشفي دوراً في هذه العملية، لكنّ الحزب نفسه ليس كينونة متجانسة. لقد تكوّن من أعضاء لهم وجهات نظرهم وتحيزاتهم الخاصة بهم.
لقد كان الدور الأهم لدفع خطّة عمل النساء قدماً للطبقة العاملة وللفلاحات أنفسهن، ولعضوات الحزب اللواتي أدركن المصاعب التي تواجههن. نساء مثل ألكسندرا أرتيوخينا وكلافديا نيكولايفا، نساء اضطررن للعمل في ظلّ حكم القيصر وهنّ أطفال لانحدارهن من أفقر الفقراء: الأطفال العاملون في تبييض النسيج. إن عضوات الحزب هؤلاء هنّ اللواتي ثرن داخل الحزب من أجل استقلال المنظمات النسائية وللدفع قدماً تجاه حقوق وفرص النساء.
غالباً ما واجه أعضاء الحزب الذكور في القيادة وفي القرى وفي المعامل مطالبهن بعدائية. لكنّ هذه النسوة عرفن بأنّ الحرية لا يتم تسليمها لأحد على طبق من فضّة. على الشعب، والنساء من ضمنه، أن يكافحوا من أجلها. فرغم أنّ الحزب قد وافق بشكل رسمي على أهداف تحرير المرأة، فقد كان على عضوات الحزب أن يكافحن لحمل الحزب على تنفيذ هذه الأهداف. لقد كان الحزب منظمة كبيرة جداً مع طبقات قيادة متعددة تبدأ من مستوى الوحدات الصغيرة إلى المناطق إلى الأقاليم إلى الجمهورية. لقد كان هناك مئات الآلاف من الأعضاء (حوالي 990 ألف في 1927) الذين يمتلكون مستويات مختلفة من الوعي.
لقد كان للحزب برنامج تقدمي جداً. لكن هذا لا يعني بأنّ الرجال، وخصوصاً العمّال والفلاحون، وكذلك القيادات، قد عاملوا النساء وقضاياهن باحترام دوماً. لقد ساعد لينين على تطوير برنامج تقدمي، لكنّه لم يكن العضو الوحيد في الحزب. كان هناك الكثير من مستويات القيادة والكثير من الأعضاء. مثله مثل أيّ منظمة أخرى، وبالرغم من كونه يتبنّى برنامجاً تقدمياً جداً، كان على الحزب أن يشهد كفاحاً داخلياً، حيث لم يكن الرفاق فيه متعاطفين دوماً مع قضايا المرأة.
في منتصف العشرينيات، بدأت توضع بعض العوائق في طريق حقوق المرأة. ما هي تلك العوائق وما الذي حدث؟
-- لقد حدث العائق الأكبر كنتيجة لمستوى البطالة العالي بين الإناث في العقد الأول التالي للثورة ولمجاعة 1921. لقد أدّت المجاعة، متزامنة مع الانهيار الاقتصادي والدمار التالي لسنوات الحرب، إلى ملايين الأطفال المشردين. ورغم أنّ الدولة هدفت لجعل العمالة الإنتاجية اشتراكية ولإنشاء مساكن ودور إيواء لهؤلاء الأطفال، فهي لم تملك التمويل اللازم لفعل ذلك. أتى التراجع الأول عن البرنامج في بداية العشرينيات عندما تمّ تشجيع الأسر الفلاحية على تبني الأطفال. لقد تمّ منع التبني في النهاية بسبب الخوف من استخدام الفلاحين للأطفال كعمالة غير مأجورة في الأعمال المنزلية. نشأت مشكلة مستويات البطالة المرتفعة لدى النساء بسبب آخر أيضاً هو تسهيل الطلاق. طلّق الكثير من الرجال زوجاتهم وتركوهم مع أطفال يعيلهن. أجبرت النساء، لعدم قدرتهن على إيجاد عمل، على اللجوء إلى الدعارة. لقد نُظر إلى هذا الأمر على أنّه عار كبير لحق بالثورة.
ما الدروس التي يمكن للنساء اللواتي يكافحن من أجل المساواة اليوم أن يستخلصنها من الثورة الروسية؟
هنالك الكثير من الدروس التي يمكن استخلاصها. أولاً: تضمن برنامج الثورة الروسية الكثير من الأفكار التي تستحق الدراسة، وخاصة الأفكار حول الحقّ بالتشغيل الكامل وبالاستقلال المالي وباشتراكية العمالة المنزلية. لا تزال النساء في أكثر بلاد العالم اليوم غير قادرة على الوصول إلى قاعات الطعام العامّة، وإلى مراكز رعاية أطفال نهارية ممولة وجيدة لأطفالهن، ولمتاجر الغسيل، وللخدمات الأخرى التي يمكن أن تحررهن من أعباء العمل المنزلي.
عندما تحدثت في البرازيل منذ فترة، أتت إليّ العاملات في مجال تنظيف المنازل بعد المحاضرة. كنّ متحمسات جداً بخصوص برنامج اشتراكية العمالة المنزلية لجميع النساء. لقد تساءلن: "لماذا على النساء الفقيرات أن ينظفن منازل النساء والرجال الأثرياء؟ الحق بالإجهاض ووسائل منع الحمل الصحية هي حقوق هامّة أيضاً. على النساء أن يكنّ قادرات على التحكّم بأجسادهن إن كنّ يردن أن يصبحن كائنات مساوية تماماً للرجال. حرية الاختيار في الزواج أساسية. على الرجال والنساء أن يخترن شركائهم بناء على الحب والاحترام المتبادل، وعليهم أن يكونوا أحرار في حلّ هذه الرابطة إن تعد مرتكزة على هذين العنصرين.
ثانياً: لقد أوضحت لنا الناشطات في الحزب البلشفي بأنّ السلطة لا تمنح للشعب بشكل إرادي من الناس الذين يملكونها. كان على النساء أن يكافحن من أجل حقوقهن داخل وخارج الحزب. لم يكن الأمر سهلاً. وهذه الجهود يجب أن تبقى شاخصة كدروس لجميع المكافحين حول العالم.
تنويه: إن الآراء الواردة في قسم «تقارير وآراء» لا تعبِّر دائماً عن السياسة التحريرية لصحيفة «قاسيون» وموقعها الإلكتروني